قبل فترة زرت مدينة الفلوجة وتجولت في احياءها وبعض شوارعها
والتقيت بعض الاصدقاء منهم في جامعة الفلوجة دار الحديث عن
تأريخ المدينة التي عرفت بالتعايش والتنوع الاجتماعي والديني
والقبلي.
الفلوجة عاش فيها المسيحيون والصابئة المندائيين والايزيديين
وحتى اليهود قبل الخمسينات من القرن الماضي، والى جانب هؤلاء
تواجدت التيارات الاسامية الصوفية المحافظة من اتباع الطريقة
النقشبندية والطريقة النبهانية، اضافة الى استيطانها من قبل القبائل
والعشائر المختلفة من الموصل وديالى الانبار… فضا عن ذلك فقد
كانت الفلوجة ماذا امنا لمن يلجأ اليها اذ قصدها اكراد العراق حينما
وقعت احداث الشمال المتكررة.
بعدها دار الحديث حول ماحصل للفلوجة بعد العام 2003 وكيف
اصبحت بعض قصباتها ماذا للتطرف والعنف ومأوى للجماعات
السلفية الجهادية، وسبب ذلك الدمار والخراب للفلوجة حينما دخلها
تنظيم القاعدة ومن ثم القوات الامريكية التي قصفت الفلوجة، وبعد
ذلك احتلالها من قبل تنظيم داعش وتحريرها من قبل القوات
الامنية العراقية مما احالها الى الدمار شبه التام.
ما ادهشني هو كيف عادت الفلوجة مرة اخرى بسرعة الى العمران
بعد هذا الخراب والدمار؟ وكيف استمرت الحمات الذاتية محليا في
البناء والاعمار والخدمات؟ وكيف حل السام في مجتمع مدينة عانى
من الصراعات والنزاعات؟.
الفلوجة مدينة حضرية تعيد بناء نفسها بنفسها واهلها وسكانها
سريعي الاندماج في دعم الدولة والقانون والنظام، كما كان هنالك
دور للقيادات السياسية الشابة المعتدلة التي برزت بديا عن القيادات
السياسية المتشددة والمحافظة والمنغلقة والتي كانت احد اسباب
سيطرة الجماعات التكفيرية في المدينة.
رغم كل هذه التحديات والظروف القاسية التي مرت بها الفلوجة ورغم
عدم اطاق حملة اعادة البناء والاعمار من قبل الحكومات المتعاقبة
لما دمره داعش، فان الجهود الذاتية لقادتها وفاعيلها المحليين
وسكانها عملوا على تنشيط الوضع العمراني وضمان التعايش وتعزيز
قيم التسامح وتفضيل أطر البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي
على اطر العنف والتطرف والانتقام.
هذا هو سبب عمران الفلوجة ذاتيا واهم ماادركه ابناءها هو حاجتهم
لقيادات سياسية مدنية ليبرالية جديدة تدافع عنهم وعن حقوقهم
بدلا عن القيادات التقليدية التي اخفقت بذلك.
هكذا رأيت الفلوجة
(Visited 7 times, 1 visits today)