بقلم ماريان روثمان
أجد نفسي جالسًا على طاولة أحد عمالقة القهوة في أمريكا وأستمتع بثقافةالقهوة الحديثة. يمتلئ الهواء برائحة القهوة القوية الطازجة، كما أن الجو فيهطاقة المجتمع دائم الحركة. يمتلئ المقهى بالزبائن الذين يتمسكون بأكوابهم الطويلة والمتوسطة والكبيرة أثناء التجول. إنه يرسم صورة لوتيرة الحياة الأمريكية التي لا لين فيها.
وبينما أشاهد ذلك، أذهلني المشهد النابض بالحياة الذي أمامي , الثقافة الأمريكية التي تزدهر بالسرعة والكمية. هنا القهوة تتجاوز مجرد طقوس الصباح , إنها رفيق ثابت في السباق الذي لا ينتهي مع الزمن. بفضل تصميماتها الداخلية الأنيقة والحديثة، أصبحت المقاهي هي القصة التي تتكشف فيها الحركة المستمرة للمجتمع.
تحولت القهوة في الولايات المتحدة إلى أكثر من مجرد مشروب. إنه يدل على اليقظة والطاقة اللازمة للتغلب على شدة يوم متعب , وتعكس الإعلانات هذا الشعور أيضًا، حيث تصور القهوة على أنها المشروب السحري الذي يعزز الإنتاجية ويدفع الأفراد خلال روتينهم اليومي.
أتجول بنظري، وفجأة تنتقل إلى زمن آخر، إلى مكان آخر – مقاهي بغدادالعائلية. تتكشف الذكريات وأتذكر تجربة فريدة حيث تمت دعوتي أناوممثلين من مختلف أنحاء العالم، جميعهم منخرطون بشكل مشهور وعميقفي الفن والشعر والصحافة والأوساط الأكاديمية والموسيقى والتاريخوالقانون والمجالات الثقافية المختلفة من قبل الوزارة العراقية للثقافة لتبادلوجهات النظر حول حقوق الملكية الفكرية والتنمية المستدامة.
كانت الرحلة التي استغرقت خمسة أيام في بغداد أكثر من مجرد استكشاففكري. لقد كان انغماسًا في جاذبية المدينة. وسط العظمة التاريخية، كانتالمقاهي الخالدة بمثابة ملاذات للسلام، وعلى عكس زوبعة الكافيين فيالولايات المتحدة، وجهت هذه المؤسسات دعوة للجلوس والاسترخاء والمشاركة. في بغداد لم تكن القهوة مجرد مشروب, لقد كانت وسيلة للتواصل والتأمل.
داخل المقاهي، كان الهواء ينبض بالأحاديث الحية، التي تناغمت مع رائحةالقهوة الفاخرة، فخلقت بيئة تتحدى مرور الزمن كل فنجان يهمس بحكاياتالتبادلات الفكرية التي تجاوزت الزمن. لقد أعطتني انطباعاً مؤثرًا بأن عالم القهوة ينتقل على نطاق واسع من الوتيرة المتسارعة لأمريكا الحديثة إلى بغداد الهادئة المتأملة.
يقع مقهى الشابندر في قلب مدينة بغداد، وهو ملاذ قديم للدفء والثقافة. إنوجوده في شارع المتنبي، في الواحة الثقافية التاريخية بالمدينة، لا يجعلهمجرد مقهى، بل جسراً إلى حقبة ماضية. وبينما أتذكر، لا أزال أشعربالإعجاب الذي شعرت به عندما دخلت من أبواب مقهى الشابندر، ولا أزالأشم رائحة القهوة الآسرة الممزوجة بشاي الليمون الساخن المميز ودخانالشيشة.
داخل هذا المقهى الجميل، ترى المقاعد الجلدية والخشبية بمثابة ذكرى لعددلا يحصى من القصص والمحادثات واللحظات المشتركة التي حدثت. تقفالطاولات ذات الأواني النحاسية العتيقة كحافظة على التقاليد التي استمرتعلى مر العصور، والجدران المزينة بصور الباشوات العثمانيين والملك فيصلالثاني والشعراء العراقيين , كلها ليست مجرد زخارف ولكنها تذكير بالماضييروي قصة الثقافات الغنية التي اجتمعت داخل هذه الجدران.
مقهى الشابندر هو مكان مليء بسحر الحنين، وهو علامة لطيفة على أنه فيهذا العالم الحديث توجد فيها ملاذات الزمن الماضي. إنها بقايا حيةاستحوذت على روح العصور الماضية وتحمل داخل جدرانها أصداءمناقشات لا حصر لها تشمل السياسة والفلسفة والسينما والشعر والفن. يقدم كل كوب تذكيرًا بالطيف المتميز داخل مجال القهوة بدءًا من الوتيرةالسريعة لأمريكا المعاصرة وحتى الروح التأملية الهادئة لبغداد.
وأنا جالسة هنا عند تقاطع هذين العالمين، أفكر في الطرق المعقدة التي اندمجت بها ثقافة القهوة في نسيج المجتمعات ذاته. أجد نفسي أشعربتقدير عميق لطبيعة القهوة الدائمة، فهي مشروب يتكيف بشكل مثالي معنبض اللحظة مع الحفاظ على الجوهر الخالد للحظات المشتركة والمحادثاتالهادفة. بينما تلتف الرائحة حولي، أتذكر أنه بعيدًا عن الزحام والضجيج،تظل القهوة جسرًا عالميًا، يربط بين الثقافات والتواريخ المختلفة في سيمفونيةمن التجارب المشتركة.
ب