د. محمد فلحي
في برنامج( تلك الأيام) الذي يقدمه الصديق الاعلامي الدكتور حميد عبد الله عبر قناته في يوتيوب، يروي ان القيادة البعثية السابقة اجرت حوارا مع نفسها بعد انتهاء حرب الخليج الاولى عام١٩٨٩ حول تغييرات مزعومة نحو الديمقراطية وكتابة دستور جديد واستحداث احزاب ، ومن ضمن الحوار يقول طارق عزيز لصدام: لا افضل تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لأن هناك مثل يقول الإمام الذي لا(يشور) يسمونه (أبو الخرگ)!..والخرقة، كما هو معروف، باللهجة العراقية، تعني قطعة من القماش، ويعتقد بعض العامة ان الخرقة الخضراء التي تمسح بها الأضرحة والعتبات المقدسة تضفي على صاحبها خيرا وبركة!
الكلام التملقي للوزير الصدامي ذكرني بتجربة شخصية في احدى محطات حياتي الاكاديمية، عندما توليت منصبا علميا في احدى الكليات،فقد نصحني زميل يتولى منصبا اداريا قبلي قائلا: ابطش بهم يا دكتور فالسيد الذي لا يشور يسمونه ابو الخرگ!
استفزني كلامه فغضبت وأجبته بأن هذا الكلام لا يليق في مؤسسة علمية محترمة، وإن علم الادارة يقوم على التعاون والاحترام والتشجيع وان العقاب هو اخر الاجراءات وليس أولها، واذا وقع العقاب على موظف فالهدف هو التقويم والاصلاح وليس الانتقام!
بعد سنوات وجدت ان نظرية(الخرگة) لصاحبها المدير الفاسد المريض تكاد تكون هي النظرية السائدة في اغلب دوائر دولتنا الديمقراطية، وان هذه النظرية هي ابرز اسباب الفشل والخراب والفساد الذي ينخر الدولة والمجتمع!
نظرية الخرگة تدق انذار الانهيار لأنها تزرع الحقد والكراهية في الجهاز الحكومي، وذلك عندما يكون الوزير والمدير العام والمدير متعلقا بمنصبه من خلال خرقة بالية يستخدمها في تغطية التزوير والرشوة والاختلاس وقلة الأدب في تعامله مع الناس، ولا يتورع عن تهديد الموظفين الشرفاء وابتزازهم ومعاقبتهم والتنكيل بهم لمجرد اعتراضهم على سلوكه المرضي وانحطاطه القيمي وفساده الاداري!
الخرقة البالية يمكن ان تسمح لمستخدمها من المدراء ان يستمر في منصبه زمنا طويلا دون غطاء قانوني وبلا قبول من زملائه لكنها، في المقابل لا تضفي على صاحبها اي نوع من الاحترام او المشروعية او الرضى الوظيفي!
عندما ينتهي مفعول الخرقة وتحترق اوراق صاحبها سوف يجد نفسه في سلة المهملات مع خرقته البالية تطارده لعنات المظلومين إلى يوم الدين، فهل من معتبر يا أصحاب المناصب الخرقية الزائفة!
المدير والخرگة! …. د. محمد فلحي
(Visited 12 times, 1 visits today)