مآلات التوازن المكوناتي في العراق
د. احمد عدنان الميالي
حكمت العملية السياسية في العراق منذ العام ٢٠٠٣ ، سياقات التوازن المكوناتي الطائفي، ففي كل دورة نيابية تتموضع المكونات طائفيا لتختصر صراعات الطوائف السياسية الثلاث في العراق بالمحاصصة السياسية المبنية على هذا التوازن والتوافق. لكن بعد العام ٢٠١٤ ، شهد التوازن المكوناتي انكساراً متمثل واقعيا بتشكيل تحالفي البناء والاصلاح، واستمر هذا الحال لغاية الان، لكن عاد التوزان المكوناتي في البيت السني بعد انتخابات تشرين الماضي مقابل تصدع التوازن الشيعي الكردي.
وبعد اسقاط التهم قبل ايام عن رافع العيساوي وعودة علي حاتم السليمان الى بغداد بعد سنوات من الاتهام والملاحقة القانونية، عادت الى الواجهة مسألة مصير القيادة والزعامة السياسية السنية في هذه المرحلة، في خطوة واضحة لاعادة ضبط التوازنات المكوناتية كما كانت في السابق ومحاولة تصديع الواقع السياسي السني الجديد الذي تزعمه الحلبوسي ليكون المشهد تسويق قيادات سياسية سنية موالية للمكونات الاخرى.
واقع المكون السياسي السني لاول مرة منذ عام ٢٠٠٣، يتحه صوب معرفة ماذا يريد ومن هم قادته وماهي تحالفاته خاصة بعد تصدع المكونين الشيعي والكردي سياسيا.
مايفسر اختلاف التوازن المكوناتي في العراق، ان ايران فشلت في توحيد القوى الشيعية رغم كل المحاولات والمبادرات، الأمر الذي بدأ يؤكد بشكل جدي تراجع الدور النفوذ الايراني في العراق، حتى الاكراد الذين كانت مواقفهم موحدة حيال بغداد فإن المنصب السيادي المتمثل برئاسة الجمهورية شتت موقفهم و قوتهم بسبب التناحر والصراع عليه مما انتزع منهم دورهم التقليدي المعروف ببيضة القبان، ولم يعد بينهم وبين الشيعة تحالف استراتيجي تاريخي بل حل محله الآن نوع من التناحر والصراع المصلحي بسبب خرق الحزب الديمقراطي الكردستاني قاعدة ثبات المكونات السياسية التي شيدها القادة التقليديون ، الشيعة والكرد بعد العام ٢٠٠٣، كان من شأن ذلك أن زاد من الخلاف الشيعي – الشيعي وفاقم الخلاف الكردي – الكردي. بالمقابل يتجه البيت السني نحو الوحدة وتشكل تحالف السيادة، وفسر المكون الشيعي ” الاطار التنسيقي” ان تركيا وراء ذلك، ماجعل المراقبون السياسيون يرون أن تركيا استثمرت بشكل عملي تراجع واخفاق الأولويات الأميركية الإيرانية فيما يتعلق بالملف العراقي، وتمكنت من ملء الفراغ عبر توحيد البيت السني، والتأثير المتواصل على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يؤكده الى حد كبير العمليات العسكرية الاخيرة في اقليم كردستان وسنجار بعد زيارة رئيس الاقليم الى تركيا، دون ان يؤثر ذلك على التقارب بين تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني مع الكتلة الصدرية.
في ظل هذه السيناريو تمخضت مخاوف شيعية من أنهم لن يكونوا اغلبية وقد يتحولون إلى أقلية في الحكومة القادمة. هذا يعني من وجهة نظر هذه القيادات أن الشيعة لن يتمكنوا من فرض أغلبيتهم التي كانوا عليها داخل البرلمان سابقا، فضلا عن أن تركيا سوف تتمدد نفوذا وقوة بتحالف سني سياسي كبير لديه حلفاء شيعة وكرد، وقد يلتحق بهم اخرون من المستقلون، على خلاف سيناريوهات التشضي التي يراهن عليها الان الاطار التنسيقي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ان معالم وحدة الزعامة السياسية السنية نابعة من الدروس والتجارب التي مرت وعانت منها القيادات والنخب السنية المشتتة، اضافة الى ان ابناء المكون السني العراقي المُحبَط من التشتت والتفكك ، سيرحب ويستفيد من بروز ثنائية سياسية سنية التي جرت بين الحلبوسي والخنجر وقد تكون ثلاثية ورباعية لكنها في اطار وحدة المكون الواحدة ، بما يعزز من قوة المكون سياسيا وتحديد اولوياته ومغادرة ارتهاناته السابقة للمكونات الاخرى نتيجة التشضي والانقسام وغياب المشروع السياسي القادر على حفظ التوزان المكوناتي العراقي، وهذا بدوره قد يشجع باقي المكونات السياسية الى الدفع باتجاه ضبط هذا توازناتهم وتحالفاتهم الذي بدا مفقودا في هذه المرحلة الحرجة.
مآلات التوازن المكوناتي في العراق
(Visited 10 times, 1 visits today)