د. طالب محمد كريم
تخطرني العبارة التي لطالما يرددها الجميع والتي تقول ان القانون لا يحمي المغفلين، ولم يلتفتوا الى البناء الفلسفي للمعنى الجوهري الذي يقف وراء تطور مفاهيم القوانين مع سياق التاريخ، والتي وجدت من اجل تنظيم حياة الانسان والمجتمع ورسم مسار العلاقات بينه وبين محيطه المتنوع بالاشياء. اشير الى الأصل الفلسفي للقانون والذي جاء من اجل حماية الانسان لا استغلاله، تحت مقولات تصادر حقه الاساس في ان يعيش محمياً محاطاً بأسيجة الدولة ومؤسساتها التي تمنع وقوعه في المحذورات أو المحظورات.مزية العبارة سالفة الذكر انها تُذكر غالبا عندما تشتدّ المشاكل وينتصر الطرف الأقوى على الطرف الأضعف. هي عبارة تخالف منطق القانون والفلسفة التي جاءت من اجل تحقيق العدالة، وهي تجسد رحلة طويلة وشاقة من تاريخ صراع الوعي مع اللا وعي، أي صِدام الواقع مع المتخيّل.
تكمن فلسفة القانون في تحقيق العدالة التي تعالج طبيعة الانسان النفسية والبيولوجية وحيثياته المتفاعلة مع ما يواجهه من مؤثرات بيئية أو طبيعية لتعمل على الاستقرار داخل المجتمع .
التنظير الفلسفي للفكرة الاولى التي انبثقت منه القانون هو حماية الانسان كفرد وجماعة، سواء أكانَ قوياً أو ضعيفاً، ذكراً أو انثى، سوياً أم غير ذلك. فلا يمكن ان نقبل بمنطق الانحياز الذي يضرب جوهر العدالة واهدافها، تحت مقولات شعبية غير هادفة .ولا يمكن ان يبق القانون ساكناً، بل لابد من ادامة حركته الحيوية الفاعلة والمستدامة، والتي تتفاعل مع المستجدات التي تحيط بنا كمجتمعات انسانية، فاقدين للاحاطة المعرفية بكل شيء.
ان قصورنا وفهمنا الواعي والمعرفي هو الذي يدفع بنا دائماً نحو خلق سياقات، تفرض علينا اساليب تحمينا وفق منطق القانون، وهذا الاندفاع الدائم من الانسان، يدل على قصور الانسان وضعفه في ادراك العالم الكبير الذي يعيش فيه. وحاجته الضرورية لسنّ القوانين التي تلامس وجوده الحاضر .
من منّا يحفظ مدونات القوانين بكل جزئياتها؟ حتى بعد ذلك نتيح لأنفسنا ان نطلق التوصيف الذي يقول ان الانسان هو كائن قانوني، هذه المقولة التي تجعل منه ضمنياً ان يتجلى في الحياة على انه عالمٌ مدرك بلائحة القوانين وفلسفة التشريعات. لا يخفى على الكل في ان هناك فارق بين من يلتجأ الى القوانين ويلتزم بها ، وبين من يدرك خفايا الأمور وتشكلاتها القانونية. فالاول كائن مطيع، بينما الثاني هو كائن مفكر فضلاً عن طاعته للقوانين التي انتجها العقل الانساني. ( اقصد العقل الناضج والذي استطاع ان يقهر الاصنام ).
الانسان هو جزء من عالم كبير ومتحرك يحيطه اشكال متنوعة من المسارات الاخرى التي تشترك في انتاج صورة الحياة. بمعنى ما، ان ما بداخلنا من مشاعر وعواطف قد تمنع منا كافراد او جماعات ان نحوّل الحياة الآمنة الى صراع بين لغة الارقام وآلات الكتابة ومذكرات ضبط، تجعل منا أدوات رقمية قبيحة، منزوعة من البعد الروحي والشاعري للعالم.
حسبك بعد ذلك بمنظومة القيم الاخلاقية والاجتماعية التي تغلب على كل تفاهماتنا البينية والحياتية، اذ ان بمعايشة عملية ولساعات قليلة في واقعنا الاجتماعي، نكتشف ان لغة العاطفة واشاراتها والقيم الدينية والاخلاقية، ماهي الاّ صنوان ملازم لنا ، لا يمكن فصلها عن منظومتنا القانونية التي تعاقب وتحاسب وفق الاجراءات التي تخفيف المواطن العاطفي ( اقصد الذي يتعامل وفق الضوابط الاخلاقية).
هذه الصورة التي تتكلم عن نفسها في حياتنا اليومية والمنتشرة في اغلب المجتمعات الشرقية منها والغربية، جعلت ان نطلق صرختنا التي تقول (بتنا خطأ شائعاً)، لنستقبل عندها ارتداد الصوت نفسه ليقول: (خيراً من صواب ضائع).
النظرة الى فلسفة القانون على انها الأولى والأحكم في توفير حماية لجميع المواطنين، اذ ليس هناك مواطن ذكي ومواطن غبي، فالاثنان متساويان امام القانون وتتوفر لهما الحماية، لممارساته وسلوكياته الشفافة وممارساته الشخصية البريئة. هي دعوة للجميع الى مراجعة المقولات التي صيّرت عقولنا وارادتنا في مواجهة المنطق الانساني والمجتمع السليم.