حوار خاص / السفير لقمان الفيلي: ينقل تجارب الامم الى وطنه عبر معايشة واقعية

حوار خاص / السفير لقمان الفيلي: ينقل تجارب الامم الى وطنه عبر معايشة واقعية

حوار خاص  للمستقل 

اجرى الحوار : ناجي سلطان الزهيري

السفير الاستاذ لقمان الفيلي  سياسي عراقي ولد عام 1966 حاصل على  شدة الماجستير في إدارة الأعمال تخصص إدارة تقنية عام 2006 منجامعة مانشستر متروبوليتانفي المملكة المتحدة، وبكالوريوس في الرياضيات وعلوم الحاسب الآلي عام 1988 من الجامعة ذاتها، ودبلوم عالي في المحاسبة التجارية والصناعة عام 2007. يملك خبرة في مجال التفاوض والإدارة العامة والتحليلات السياسية. شغل منصب سفير العراق في الولايات المتحدة والمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية و تقلد الكثير من المسؤوليات ، يشغل حالياً منصب. سفير جمهورية العراق في المانيا. 

سعادة السفير لقمان الفيلي مرحباً بك في المستقل 

عملت سفيراً في الولايات المتحدة الأمريكية، هل تغيرت نظرة امريكا عن العراق بالفترة التي كنت تعمل بها عن الوقت الحالي؟

كان موضوع العراق حاضرا بقوة في اجندة السياسة الخارجية الأميركية، خاصة بعد 2003، اما خلال فترة وجودي كسفير في واشنطن (2013-2016)، فقد انصب التركيز وبشكل كبير على الجانب الأمني و مكافحة الإرهاب (تنظيم داعش الإرهاب) في العراق، ونتيجة لتغير الإدارة الأميركية بعد هذه المرحلة الذي صاحبه تغير في أولوياتها بشكل عام، تراجع على أثره حضور العراق في تسلسل أولويات أجندة الولايات المتحدة، ولكن هذا لا يمنع بان كلا الجانبين مهتم بتعزيز العلاقات الثنائية.

السياسة مهمة انسانية مقدسة ،نستطيع  ان نصلح من خلالها 

# أمريكا نجحت بإسقاط نظام البعث، لكن هل ما حدث بعد ذلك كان مخططًا له وضمن المشروع الأمريكي، امجرت الرياح بما لا تشتهي سفن امريكا؟

نعتقد بانه من المبكر جدا تقرير ذلك لا سيما وان هذه التجربة تستحق الدراسة والتأمل من قبل المفكرين والمختصين في مجال السياسة والعلاقات الدولية والمؤرخين، وخاصة من الجانب الأمريكي، اما نحن كعراقيين فعلينا أيضا مراجعة هذه التجربة والتعمق في التفكير فيها كي نستفيد منها في تحقيق مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة. الولايات المتحدة ستبقى دولة مهمة ومحورية في العالم وعليه من المهم ان نعرف كيف نتعامل معها وفق تجربتنا السابقة وتطلعنا للمستقبل، ممكن جدا ان تكون تجربتنا معها قاسية بعض الشيء ولكن من الضروري ان نحسن إدارة التعامل معها ومع الدول الكبيرة او المحورية الأخرى. العراق يمربمرحلة حساسة وخطرة ويحتاج في عملية بنائه وتنميته دعم كل الدول ومنها الولايات المتحدة. نحتاج اننعرف ماذا نريد من كل بلد كبير ومهم وكيف نكيف منظومتنا الحكومية لكسب المنفعة للعراق وشعبه. عالماليوم عالم مترابط وتبادل المنفعة عنوان مهم علينا فهمه ونحسن التعامل معه وكذلك فهم محدداته.

# ماذا تقيّم العلاقة مع امريكا الآن؟

اعتقد افضل ان يجيب اخرين من الزملاء المسؤولين المعنيين عن هذه العلاقة.

العراق يعتمد في تأسيس علاقاته الخارجية مع دول العالم على ثوابت ومنطلقات ،وفق الدستور.

# في المانيا عشرات الآلاف من اللاجئين العراقيين الذي لم يحصلوا على اللجوء بعد، كيف يتم التعامل معهمأو مع الحكومة الألمانية من قبل السفارة العراقية في برلين؟

تعد الهجرة قضية حساسة جدا داخل المانيا وضمن نطاق دول الاتحاد الأوربي وهي تتطلب من الجانبالعراقي والالماني التعاطي معها بشكل دقيق وحذر وان العراق حريص على ان أي حل لهذه القضية يجب انيراعى فيه حماية حقوق المواطن العراقي وصيانة كرامته الإنسانية، فضلا عن ان العراق حريص أيضا علىالاحتفاظ بعلاقات طيبة ومثمرة مع الجانب الألماني وباقي دول الاتحاد الأوربي، هنا العراق وباقي دولالاتحاد مهتمون بوضع قواعد أصولية لتنظم الهجرة. هذا الى جانب ان البعثة العراقية في برلين وقنصليتناالعامة في فرانكفورت حريصة على تقديم كافة التسهيلات والخدمات القنصلية وتطويرها للمواطنينالعراقيين.

 

# ماذا حلّ بالعقود التي ابرمت مع شركة سيمنز بخصوص الكهرباء؟ ماهي المعرقلات؟ وهل صحيح ان امريكا تعرقل هذه العقود؟

وضعت حكومة السيد محمد شياع السوداني معالجة تحديات الوضع الخدمي للعراق كأولوية وانعكست هذه التحديات في البرنامج الحكومي. من جانب اخر لدى المانيا شركات طاقة عملاقة تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وتتمتع بسمعة ممتازة مثل شركة سيمنز للطاقة وهي ليست بغريبة عن العراق فهي عملت فيهسابقا منذ منتصف القرن الماضي وهذا يعطيها افضلية تنافسية عن باقي الشركات المنافسة لها، وتحتلمشاريعها في العراق أهمية كبيرة لها ايضا وهي مصممة على النجاح في تحقيقها، ونحن من جانبنا أيضاننسق معها تطورات العمل في هذا القطاع المهم.

الزيارة الأولى للسيد السوداني الى أوروبا وخارج منطقة الشرق الأوسط كانت الى المانيا وهذه رسالةواضحة وقوية، وهي تحمل معان كثيرة منها ادراكه لأهمية ملف تحسين الخدمات في العراق وخاصة فيقطاع توليد الطاقة الكهربائية. المانيا تعد خيارا مريحا ومطمئنا من نواح كثيرة سياسية واقتصادية،العلاقات التاريخية التي تجمعنا بألمانيا طيبة ولا تشتمل على ارث استعماري او عداءات تاريخية من أينوع.

وزيارة رئيس مجلس الوزراء السوداني الى المانيا كانت لها أهمية من جوانب أخرى ايضاً، ولم تكنمحصورة بقطاع الكهرباء، اذ تمخضت عنها تفاهمات مشتركة تناولت بجدية كبيرة تطوير العلاقات الثنائيةبين البلدين في مختلف المجالات.

 

# كيف تنظر المانيا للعراق وكيف ينظر العراق لألمانيا؟ وهل التعاون بين البلدين بالمستوى المطلوب؟

اما كيف تنظر المانيا الى العراق:

المانيا لم تكن جزء من التحالف الدولي الذي أطاح بالنظام السابق في العراق في العام 2003، وهذا يمكنتفسيره في إطار احترامها الشديد لقواعد النظام الدولي والقانون الدولي وتفضيلها الدائم للعمل ضمن اطرمؤسسات العمل الدولية متعددة الأطراف لمعالجة المشاكل بشكل عام.

ورغم معارضتها لما حصل في العام 2003، الا انها كانت من الدول الداعمة للعملية السياسية الديمقراطيةفي العراق وهي تعد من أكبر الدول المانحة، ان لم تكن الأكبر، للعراق لمساعدته في تعزيز مبادئ الحكمالديمقراطي والحكم الرشيد والتنمية.

وبالتأكيد هي مدركة بان العراق مضى في طريق صعب ووعر كان ولايزال يسعى فيه الى الحفاظ على استقراره وامنه في ظل وجوده في محيط جيوسياسي واقليمي صعب ومعقد فضلا عن التحديات الأمنية التي مر بها وخاصة حربه ضد الإرهاب كل ذلك ساهم للأسف في زيادة عدد اللاجئين والمهاجرين من العراق الى دول العالم وخاصة الى أوروبا وألمانيا.

العراق بدأ  يدرك ومع مرور الوقت أهمية العلاقات الدولية في ظل النظام العالمي

وان المشهد الذي وصفته الان ساهم بدون شك في تشكيل انطباع سلبي عند الالمان عن العراق وهذا الانطباع خلق سردية في الذهنية الألمانية بان العراق على سبيل المثال دولة خطر تعاني من الإرهاب وبانهاأصبحت دولة هشة ومصدرة للمهاجرين واللاجئين الى أوروبا واليها تحديدا، واثر بالتالي على طريقة تعاطيها مع العلاقات الثنائية مع العراق التي انحصرت عموما في محاولة مساعدته ضمن هذا السياق أيمساعدته في مجال مكافحة الإرهاب لتعزيز امنه واستقرار الداخلي وتمويل بعض البرامج الإنسانية الاجتماعية والتنموية، وهذا بالتأكيد كان على حساب جوانب عديدة أخرى للعلاقات الثنائية بين البلدين التي تشتمل على تطوير العلاقات في مجالات شتى. وعليه من اولوياتنا في برلين تغيير هذه السردية السلبية نحو سردية محورها يكون التطور الاقتصادي مع شراكة سياسية وتعاون في مجالات وقطاعات مختلفة مثل الطاقة والصحة والتعليم والنقل والاتصالات، بالإضافة الى نقل الخبرة الألمانية في الإدارة والتكنلوجيا وغيرها من محاور التطور الاقتصادي، وأخيرا من الضروري ان اذكر باهمية التواصل الىتفاهمات معهم في موضوع الهجرة.

 

اما كيف ينظر العراق الى المانيا:

العراقي يعتمد في تأسيس علاقاته الخارجية مع دول العالم على ثوابت ومنطلقات التي يعتمدها العراقفي تأسيس علاقاته مع الدول ووفق الدستور، ومع مرور الوقت بدأ ادراكه يتزايد لأهمية العلاقات الدولية فيظل النظام العالمي الذي من اهم خصائصه العولمة والتبادلية والاعتمادية بين الدول. والعراق بحاجة الىتدعيم علاقاته مع دول العالم وخاصة المهمة منها ومنها المانيا التي تعتبر الأقوى اقتصادياً في محيطهاالأوروبي.

العراقيون ينظرون بإيجابية لألمانيا وهذه النظرة تشكلت بواقع التجارب الناجحة لهم معها في السابقخاصة مع منتجاتها العديدة وهذا أيضا يؤشر بان العراقيين يقدرون معنى الجودة التي تتمتع بها المانيا

العلاقات التاريخية الطيبة بين العراق وألمانيا، فضلا عن ان انطباع النخبة السياسية في العراق عنها جيدأيضا، وهي تعلم بان الأخيرة تمتلك مكانة اقتصادية كبيرة ويمكن ان تفيد العراق في العديد من المجالاتوخصوصا في مجال تطوير قطاع الطاقة.

العراق ينظر لألمانيا على انها واحدة من أكثر الدول أهمية وفعالية في الاتحاد الأوروبي وبالتأكيد تأسيسعلاقات طيبة معها سيعد بمثابة جسر للتواصل والتفاهم مع المنظمة الأوروبية، مثل الاتحاد الأوربي، التيتربطها علاقات طيبة أيضا مع العراق.

 

# ما هو حجم التبادل التجاري مع المانيا؟ وماهي اهم المشاريع التي تنفذها المانيا في العراق؟

اما بالنسبة للمشاريع التي تنفذها المانيا في العراق فيمكن القول بان البلدين حريصان على وضع إطارعمل مشترك يمكن من خلاله الاتفاق على تحقيق التعاون في مجالات عدة ويتركز العمل الان على تطويرقطاع الطاقة، والصحة، والاستثمار وما يشمل ذلك من نقل للتكنولوجيا والمعرفة اللازمتين الى العراق.

 

# هل هناك قوات المانية مسلحة في العراق؟

تأتي مشاركة المانيا عسكرياً في العراق ضمن اطاري التحالف الدولي وحلف الناتو، وتأتي هذه المشاركةفي سياق جهودها لضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، ودعم العراق في مواجهة التحديات التي يمر بها،من خلال مكافحة تنظيم داعش الارهابي.

يشارك الجيش الالماني في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريــا منذ عام 2015 بقوات لا يتجاوز قوامها الـــ(500) جندي (الغيت المهمة في سوريا عام 2022)، وتشمل مهمة الجيشالالماني تقديم الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي والناتو، وتقديم المشورة لقوات الجيش العراقيوالبيشمركة، وتطوير القدرات. ولا تتضمن قوات الجيش الالماني أية مهمات قتاليــة.

وافق البرلمان الالماني على تمديد مهمة القوات الالمانية في العراق لغاية 31/10/2024.

تتضمن بعثة الجيش الالماني في العراق المهام الأساسية التالية:

1. توفير وتشغيل رادار للمراقبة الجوية كمساهمة أساسية في المراقبة الجوية ورسم خرائط الوضع للتحالفالدولي لمكافحة تنظيم داعش الارهابي.

2. دعم مهمة التحالف الدولي بطائرات ناقلة المراقبة البحرية والجوية، وأيضاً من خلال المشاركة في نظامالإنذار المبكر والتحكم الجوي للناتو (AWACS).

3. تزويد طائرات التحالف الدولي بالوقود جواً.

4. تدريب القوات المسلحة العراقية المركزية بهدف تطوير المهارات وبناء القدرات، من قبل المستشارينالعسكريين الألمان.

# قدمتَ ورقة بحثية بعنوان (جمهورية فايمر ودروسها العراق) ماذا حلّ بهذه الدراسة؟ وهل استفاد العراقمن الدروس المستوحاة من هذه التجربة؟

 

الدراسة قوبلت بترحيب كبير من قبل النخب العراقية واستطاعت ان تنقل تجربة المانية تاريخية مهمةللعراقيين، والدراسة كتبت كتحذير وضرورة لضبط ايقاعنا للتطور السياسي الصحي وفي الوقت نفسهكتثقيف للنخبة عما مرت بها أمم اخرى من تحديات وكيف نجحت او فشلت في معالجتها، علينا كسفراءوكنخب ان نعمل جاهدين على نقل تجارب الأمم الأخرى لنوفر لمجتمعنا المعرفة الضرورية للتنمية والتطورالفكري والمادي.

وتم في الأسابيع الاخيرة بعون الله نشر مجموعة من المقالات (والتي ستنشر ككتاب في بداية العام القادم) عن التجربة الألمانية في القطاعات المختلفة مثل الاقتصاد والقانون والتعليم وغيرها، وامل ان انشر قبل نهايةالعام القادم كتاب اخر عن تجربة الاندماج بين المانيا الغربية والشرقية في نهاية القرن الماضي والدروسالتي من الممكن ان نتعلم منها نحن العراقيون.

 

 

# كنت معارضاً لنظام صدام حسين فترة طويلة، رأيك وبعد عشرون عاماً من سقوط النظام هل كانتالمعارضة العراقية صائبة بالموافقة والتعاون مع امريكا لإسقاط نظام صدام؟

 

نعم كنت، كشخص وكعائلة، معارضة للنظام الصدامي منذ ادراكنا السياسي واضطررنا ان نغادر العراق معالمرحوم الوالد، عبد الرحيم الفيلي، عام 1981 نتيجة مطاردات النظام الصدامي، انتميت الى حزب سياسي(حزب الدعوة الإسلامي) حتى قبل اكمالي للثانوية (او الإعدادية) ودخولي للجامعة، هذه شهادة وفترةعمل سياسي وحركي وطلابي اعتز بها واعتقدها ضرورية لاي شخص يسعى لتغيير واقعه المعقد والمتداخل،دخولنا للعمل السياسي كان حاجة ورغبة ومن الضروري ان لا يرى احدنا السياسة كمهنة بل كمهمة مقدسةنستطيع من خلالها تطوير المجتمع نحو الاحسن والاصلح.

عندما نحكم على أي حدث او تجربة معاصرة او تاريخية، نحتاج ان نضع انفسنا مكان هؤلاء الاطرافوالافراد الذين تفاعلوا مع ذلك الحدث ونسعى ان نفهم ظروفهم ومنطلقاتهم وتاريخهم  ومحدداتهم وفرصهموامكانياتهم الفكرية والحركية. التاريخ لا تستطيع ان تحكم عليه بثنائية الصح او الخطأ بل تحتاج ان تفهمتعقيده وتداخل اموره ومحدداته. من جانب اخر ضروري ان نفهم هل كان هناك وعي سياسي كافي عندالنخب المتصدية للمشهد، وهل كانت الصورة واضحة حول كيفية التعامل مع الولايات المتحدة خصوصاً اوالمنظومة الغربية عموماً، اشكك في ذلك، ولهذا ادعو السياسيين الذين تولوا مسؤولية ادارة الدولة العراقيةبعد ٢٠٠٣ الى أهمية تدوين ما حصل وكيف ولماذا وادعوهم ايضاً الى كتابة مذكراتهم بتجرد لكي نساعدالأجيال القادمة على الاستفادة من هذه التجربة الأليمة والصعبة والغنية في نفس الوقت. أي هل ما يجريصيرورة حتمية نحتاج ان نمر بها ام ممكن جدا تجاوز الأخطاء واختصار الزمن من خلال التعلم من تجاربناالسياسية في إدارة الدولة والمجتمع.

 

# الحرب على غزة هي الشغل الشاغل للعالم هذه الأيام، ما هو رأيك بما يحدث وآثاره على العراق والمنطقة؟

 

احداث 7 تشرين الأول 2023 تعد نقطة تحول عالمية كونها احيت معادلات وامور وقضاياجيليةكانت فيطور النسيان، فهذه الاحداث ارجعت القضية الفلسطينية الى الصدارة من جديد وبقوة، وسردية هيمنة كياناسرائيل وكونها لا تُهزم حصل فيها شرخ كبير، وكثير من دول المنطقة امام اختبار وتحدي جيوسياسي كبيروعليهم التعاطي مع الحدث وحجمه الكبير واثاره على دولهم، من جانب اخر التفاعل الانساني الشعبيلدول المنطقة والجاليات الاسلامية في الغرب حصل معها زخم وجداني لم نراه منذ اكثر من عقدين من الزمن.

كيان اسرائيل يمثل الجبهة الامامية للمنظومة الغربية وعيونها في منطقة الشرق الأوسط، لذلك فأن نكبة 7 تشرين الأول، كما يطلق عليها الإسرائيليون، هي ليست بنكبة امنية فقط بل فيها بُعد حضاري واقتصاديوجيوسياسي كبير.

احداث غزة الحالية هي ايضا نقطة تحول كونية جيوسياسية، وما ستكشف عنه الايام ستظهر بعد حينونحن نعيش ونرى ونتفاعل حاليا مع ضباب الحرب الكاشفة. هذا الحدث سنرى له تبعات مباشرة كثيرةوكبيرة وعميقة، ولعل تبعاته غير المباشرة ستكون اقوى خصوصاً داخل الدول الغربية ومجتمعاتها. هذهالاحداث فرضت على الدول والحكومات والاحزاب السياسية المختلفة والشعوب ان تختار اي خندق تريد انتكون فيه، خندق الدعم غير المحدود لكيان إسرائيل مثلاً ام خندق دعم الشعوب في تقرير مصيرها والعيشبكرمة وامان.

الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة امام معادلة سياسية جديدة لم تكن ضمن جدول اعمالها، كانت تعتقد انالقضية الفلسطينية طور الاغلاق وان الشرق الاوسط منطقة مهمة تاريخياً وليس مستقبلياً وعليها التركيزنحو الند القطبي في جنوب شرق اسيا، واذا بها تكتشف ان حليفها الاساسي كيان اسرائيل في خطر وجوديوان جبهات داخلية في بلدانها تنفتح ضد سياستها في دعم كيان اسرائيل وان هيمنة الغرب القيميةوالاخلاقية تتلاشى بسرعة. هذه النكبة تضع اطراف المعسكر الغربي امام اختبار جديد وكبير لم تكن مستعدةله مثل ما كانت غير مستعدة لتداعيات جائحة كرونا. فتداعيات هذه الجائحة تعد بداية النهاية لهيمنة الغربوالقطبية الواحدة واطر عملها مثل العولمة واخواتها، ولقد كانت نقطة تحول عالمية كاشفة لماهية منظومةالادارة العالمية، وسنرى زيادة الدعوات لخلق اطار إدارة عالمية جديدة واعتبار اطار ما بعد الحرب الثانية شيءمن التاريخ.

الاحداث أدت الى خلق شرخ داخلي كبير في المجتمعات الغربية ذات الجاليات الإسلامية الكبيرة، هذهالجاليات الان امام تحدي أخلاقي وقيمي كبير مرتبط بسكوتها، من عدمه، على تصرفات حكوماتها الداعمةباللامحدودية لكيان إسرائيل، هذه الجاليات الان ترى نفسها كجزء من منظومة المجتمع والحكم وعليه لا تريدان تتنازل عن حقوقها الدستورية في موضوع لا ترى فيها أي بُعد أخلاقي او قيمي صحيح. هنا يمكن اننقارن بين ما يجري الان في الغرب مع احداث نهاية ستينات القرن الماضي والتظاهرات الكبيرة والمختلفة فيمعارضة حرب فيتنام او حركة الحقوق المدنية ضد التمييز والعنصرية.

هنا يأتي سؤال مهم، هل نحن امام تطبيقات دولية لمفهوم صراع الحضارات؟ واي الحضارات هذه؟ ام انالصراع منحصر بين دول غربية تبحث عن الحفاظ على مصالحها امام مجموعة دول أخرى تسمي نفسهاالجنوب العالمي؟ أي هل اصل الصراع ثقافي؟ ام نحن امام دول لديها تاريخ امبريالي تقودها الولايات المتحدةأولوياتها مصالحها وليس قيمها؟

أخيرا أقول من السابق لأوانه الحديث عن الأرباح والخسائر لاي طرف على المدى البعيد، ولكن كل المعطياتتقول ان القضية الفلسطينية (وحتى وجود كيان إسرائيل) دخلت نفق طويل وان تضاريسه وعمقه ودرجةانارته غير واضحة المعالم وان حلولها ستأخذ وقت وجهد كبيرين.

 

 

 

 

 

(Visited 422 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *