جينالوجيا النص الضائع في مدونات العالم الافتراضي

جينالوجيا النص الضائع في مدونات العالم الافتراضي

تعد الكتابة الوثيقة الاولى والاعتراف الشخصي
من الكاتب في اعان مسؤليته الخالصة عن
الفكرة التي يتبناها، والعمل على انزالها من عالم
)قبل الاختبار( الى الواقع ) عالم الاختبار ( وتسجيل
درجة تطابقها وتوافقها مع الواقع.
يعني ذلك ان تكوين الفكرة ونضجها التي تفصح
عن اناها) علاقات ترابط الافكار مع بعضها( تأتي
بعد مخاضٍ طويل يغلب على هذا المخاض
الجنبة السايكولوجية التي يعاني منها الفرد في
رحلة البناء المعرفي، وهو القلق الكبير الذي
لطالما يكون مرافقا له بسبب عوز الانسان الى
ادراك كامل بمعرفة المحيط الذي يعيش فيه،
هذا الادراك المعرفي يعزز عنده حالة اليقين
بادواته الفكرية التي يستخدمها في معرفة
الاشياء، وبذلك يستطيع ان يقلل من صدمة
المجهول الذي يسبب عنده حالة الارق والقلق
الذي يجعل منه كائن هش متقهقر.
نفهم من كل هذا ان العقل الانساني لا يمتلك
خاصية امكانية انتاج الفكرة وتوليدها بغياب
حالة التقابل الذي يعيشه مع المحيط ) كل
الصناعات التكونولوجية الذي جاءت به الانسان
لم تاتي من فراغ بل من خال انطباع صورة
الطبيعة وماهو موجود فيها من صور متعددة،
استفزت عنده الافكار ( والتساؤلات الكبرى، الذي
يحاول العقل من خلالها الاجابة عنها او البحث
عن الحلول التي تنهي طول امد المشكلة ومن
ثم متابعة الخطوات في الانتقال الى مشكلة
اخرى سعياً لطرح الحلول من جديد بما تتاءم
مع طبيعة المشكلة آنذاك.
نستنتج من هذه الخطوة اننا في عالم الفكر
امام امرين هما:
الاولى: ان الافكار تنزل من عالم هو فوق عالمنا
دفعة واحدة ، فهي لا تحتاج الى تأمل، بل الى
من يستدعيها فحسب، لتنزل بعد ذلك لتدمج
في قوالب ظاهرية، تروّج بعدها وتسوّق في
عالمنا الانساني، على انها مقولات جاهزة فوق
التجربة والخبرة والمشاهدة والملاحظة في حياتنا
العملية. يتقبلها العقل الانساني بلا دليل وتجربة.
الثانية: ان الفكرة لا تكتب لها النجاح ولا يمكن
اثبات يقينية منطق الفكرة فيها، الا من خال
الواقع الجدلي، اي ان الواقع هو افضل مجسّ
ومعيار لمعرفة قيمة الافكار .
في كلا الحالتين وانا هنا احاور العقل الواعي ارى
ان انتساب الفكرة الى فان دون فان ليس بأمر
هين أو يسير ، واعني ذلك بالتوجه العقل المبدع
الذي استطاع استطاع ان يكتب النص ويستشرف
المستقبل أو يشخص المشكلة بحدودها، والخبرة
في التواصل والتناغم والانسجام مع حاجة العصر
ومساره.
بين الصاحب الشرعي الذي ألِفَ البحث والقراءة
والابتكار، وبين المدعي الا شرعي الذي يعمل
على كسر الاقفال ) حقوق الفكرة ( واستنساخ
قلم الكتّاب. تحول الى عالم ساده فوضى القيم
وقباحة الصورة وصخب المفردات وجسارة الادعاء
بما ليس هو حق.
كثرت في الآونة الاخيرة من هذه الافعال
المخزية التي باتت تسرق الافكار من بطون
الكتب والمؤلفات با اي اشارة او ذكر لصاحب
النص، المولِّد للفكرة والمالك الشرعي لها.
يراد لهذه الظاهرة ان تصبح مألوفة التي تفرض
على العقول الرصينة ان تاخذ دور )عالم الانساب
(الذي يبحث عن اصل الانساب او الاشخاص في
ميدان معرفي آخر ، هو مدخل الجينالوجيا الذي
نحاول من خلاله الحفاظ على شرعية النص
واصله، من تجاوز الحقوق والتوثيق.
بلاشكّ اننا في مرحلة صعبة وربما استطيع
القول اننا في مواجهة الانزلاق التام الى حالة
الانعدام التي تحولنا الى قطيع يحاكي اصوات
الطبيعة ويصارع من اجل ان يكتشف لغة
جديدة يستطيع من خلالها ان يتماشى مع
الاخر )تعني هذه الجملة هي التقهقر السريع
الى الحقب التاريخية البعيدة -ربما المرحلة
البهيمية الاولى التي كان يحاول الانسان فيها
ان يقلد الاصوات ويخترع الالفاظ(. ولا تتجاوز
هذه الافكار مجال التأمل الذي يكشف عن
ارادة الانسان العاجز ، الفاقد للقدرة على صناعة
المفهوم المحلي الذي يشير تلقائيا الى الذات
الحاضرة للانسان في ميدان العلم والمعرفة
وانتاج النظريات السياسية وصناعة ثقافة
حقيقية يذوب فيها المجتمع.
هناك عدة خطوات تسبق عملية انتاج الافكار
الناضجة التي تبدأ من استقلالية الكاتب عن
المواقف الفكرية السابقة التي تلزم ادوات
التفكير عنده وتبيح له استخدام المناهج العلمية
المتنوعة في التعامل مع الموضوعات الانسانية.
وهذا ينبغي مسبقاً ايمان الكاتب بان ما يكتبه
لا يمكن ان يدخل مجال المقدس الذي لا
يدنس، ولا تندرج تحت المطلقات التي تتحول
الى ايقونة دوغمائية اصيبت بها الشعوب
في عصر الطفولة. هذه الخصلة الحميدة التي
تحسب للكاتب الموضوعي والمحاولة الجادة في
اعان الكاتب عن جوهر رسالته الاخلاقية في
ان )الصدارة للعقل ومناهجه الراهنة في دراسة
الواقع المتغير(.
قد يطرح السؤال الآتي :
من اجاز للكاتب ان يصدّر افكاره على انها تمثل
راهنية العقل الواقعي؟
اقول: ان الفكرة التي تدخل المجال المعرفي
والاستقراء في بنية النظام الاجتماعي، ومحاولة
ايجاد نافذة اخرى تطل على ديناميكيات حركة
التقدم الانساني والاجتماعي ، هذه الخطوة بحد
ذاتها تعطي الشرعية المعرفية والصريحة لها،
بعد ذلك يمكن للفكرة ان تُواجَه بمنهج النقد
والتحليل في سبيل اكتشاف القوة المنطقية
والضوابط العلمية لها.
وهذا يحتاج بالضرورة الى تأسيس مراكز
دراسات فكرية متواصلة وفعالة مع العالم من
جانب، والمنتج الثقافي والعلمي من جانب آخر
. لكن رغبتنا هذه مفقودة للاسف الشديد وفي
حالتنا الراهنة. بمعنى ان التفاعات الموجودة
هي لازالت محاولات خجولة وبسيطة في وسط
مساحات جغرافية ممتلئة بالملفات المتضاربة،
المتصارعة فيما بينها.
اعتقد ان التركيز على مراكز الدراسات في
كتابة النص او نشره من خال الترويج
الثقافي، قد يعبر عن حالة الاطمئنان لدى
القارئ في ترجيح )اصالة النص( على ظاهرة
الاقتباس المسرف ورتابة التوليف الذي يغلب
عليه رداءة التزويق.
وهذا ناتج أي التركيز على المؤسسات العلمية
الرصينة هي بسبب حالة ضياع النص ) اطاق
مفردة النص هو من باب المجاز والتسامح،
لانها مسروقة في اغلبها وقد ادخل عليه
التشويش احيانا اخرى ( وفقدان الفكرة لاهدافها
التي يفترض ان تكون لها مجموعة خطوات
منهجية في معالجة القضية ) المشكلة ( التي
بسببها تشكلت المقدمة الاساسية في انطاق
الفكرة.
قد تكون ظاهرة التجاسر على الاقام ناتجة
بسبب التزاحم الفكري ) غير المشروع لانه فاقد
لادواته المعرفية( وحضور الذات ) الأنا الفارغة (
بشكل غير عملي تجاوزَ حدود المساحة العلمية
والموضوعية، التي ادت الى طفح الكتابات
المبتورة الى السطح والمقطوعة عن مولداتها
الفكرية الشرعية والاصيلة لها، بعد ان كانت
غارقة في وحل الفشل والتراجع التاريخي.

(Visited 7 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *