في البداية لا بد من معرفة مصطلح التوافق
لغة وقانونا ثم كيف استخدم بصورة مشوهة
في العراق.
فالتوافق لغة عكس التخالف او الاختاف،
وتعني أيضا تعاونوا وتساعدوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الآثم
والعدوان كما هو جار في العراق فالتوافق
لتجاوز القانون وحماية الفساد والفاسدين
…..الخ
والتوافق قانونا هو تبادل المصلحة ويعبر
عن ذلك ب) العقد شريعة المعاقدين ( وفي
القرأن الكريم ورد تعبير وجعلنا لكل شريعة
ومنهجا.
اما في اللغة الإنجليزية فتستخدم كلمة
Consensus ، وتعني اتفاقا في الرأي أو اجماعا
او تراضي. اما كلمة Agreement فتعني اتفاقا
او انسجاما.
ودوليا تطلق على الاتفاقيات بين الدول
والمعاهدات بين الاطراف المختلفة.
في كل الأحوال التوافق يحمل مضمونا إيجابيا
ولكن في العراق شوه وأصبح مضمونه سلبيا
تبنته الكتل والأحزاب السياسية الحاكمة بما
يتفق مع مصالحها مما الحق اضرارا بالغة
في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والصحية والتعليمية والبيئية.
هنا يتساءل القارئ من اين جاءت به القوى
السياسية العراقية ، وجعلته مبدأ فوق الدستور
والقانون.
ان التوافق بمفهومه السلبي استحدثته القوى
العظمى في العالم التي انتصرت في الحرب
العالمية الثانية وخاصة امريكا وبريطانيا
العظمى وأضيفت لها فرنسا روسيا – الاتحاد
السوفيتي فيمت بعد – ثم الصين.
وادخل التوافق في ميثاق منظمة الامم
المتحدة وبالذات في مجلس الأمن صاحب
القرارات الملزمة ، فخصت الدول الخمس
دائمة العضوية في مجلس الامن نفسها
حصرا ب ) حق النقض – الفيتو ( ضمانا
لمصالحها وحماية حلفائها عند الضرورة ،
فا يمر أي قرار اذا عارضته احدى هذه الدول
الخمس ، مهما كان مشروع القرار ذا محتوى
لمصلحة المجتمع الدولي او ادانة عدوان
واستيلاء على أراضي الغير.
وكثيرا ما استخدمت امريكا الفيتو لحماية
إسرائيل من أية ادانة او عقوبة.
وهذا المفهوم السلبي للتوافق منح الدول
العظمى خرق وتجاوز القانون ، ولذلك تلاقفته
القوى الحاكمة في العراق واستمرأته.
الان نعود الى ما الحق من أضرار قاتلة في
العراق وكيف قبر الديمقراطية الفتية.
نص الدستور في ديباجته والمادة الاولى منه
على ان نظام الحكم ديمقراطي ، كما منعت
المادة الثانية اولا بسَن أي قانون يتعارض
مع مبادئ الديمقراطية فيما نصت المادة
السادسة على تداول السلطة عبر الوسائل
الديمقراطية.
واشارت المادة خمسون الى قسَم النواب
لدى دخولهم المجلس ) احافظ على العراق
ونظامه الديمقراطي ….الخ (.
لكن كل هذه الاسس أضحت شعارات بائسة
اكثر منها واقعاً للتطبيق لان التوافق حجبها
تماما.
لقد تجاوز السياسيون العراقيون الدستور
بالمحاصصة بكل اشكالها وأنواعها واستبدل
الدستور المواطنَ بالمكون ، فتم استبعاد
الاختصاص والكفاءة والخبرة والتجربة وحل
محلها الدين والطائفة والمذهب والاثنية
والحزبية واضيف لها ذوو القربى بعيدا عن أي
دور للمواطن العراقي غير المتمي لللاحزاب.
وكان اكبر معول قبَر الديمقراطية هي المادة
142 التي تتحدث عن تعديل الدستور ، فلو
صوت اغلب الشعب العراقي على موضوع ما
سيفشل اذا عارضته ثاث محافظات .
ومن الآثار المدمرة التي احدثها التوافق
السلبي في العراق :
- التشبث بالمحاصصة.
- التشريعات شبه معطلة لا تمر الا بالتوافق.
- استشراء الفساد والتوافق يحمي الفاسدين
المفسدين. - خرق القوانين بالتوافق أو تجاوزها.
- التوافق فتح الباب على مصراعيها للقوى
الإقليمية دون استثناء بالتدخل. - التدخل الدولي الخارجي الى درجة بدأ
حتى التطبيع مع إسرائيل يطرق الأبواب.
ولذلك ينبغي استبدال التوافق السلبي
بالإيجابي اَي مراعاة المصلحة العامة المشتركة
لوحدة الشعب والوطن مع قبول الآخر وتقديم
تنازلات خدمة للأهداف الوطنية وخلق علاقات
إنسانية متكافئة وتجاوز المصالح والمنافع
الشخصية والفئوية الضيقة.