عبد المنعم الاعسم
*بين فلسطين والعراق اواصر تَعبُر من فوق السياسة والحروب وعواصف الرمل الى الوجدان، تلك الطاقةالشعورية التي فاضت، مِداداً، على ورق كثير، وتجسدت متألقة في التاريخ، مرة واحدة في الاقل، بانتشاءجبرا ابراهيم جبرا في “شارع الاميرات” بمنصور بغداد، صانعاً من هذا الانتشاء رواية أخّاذة همست فيهابغداد بصوت خفيض وهي تستذكر اجاثا كريستي وصبيانا، عراقيين وفلسطينيين، لعبوا وكبروا وتشكلواعلى هيئة قوارب ورق ملونة في نهر دجلة. اما انعام كجه جي فقد اخذتنا في روايتها “النبيذة” الى زمن المنوالسلوى إذ يجد الفلسطيني “ منصور البادي” المهاجر الى بغداد طريقه الرحب الى شناشيل الدرابينالضيقة ليصنع هناك قصة حب مع فتاة عراقية خرجت تواً من” مخبز” تاريخ مثير، رغيفاً شهياً، وكما يقولالشاعر الفلسطيني محمود ضميري “كلمة العراق تحمل سحرا تجعلنا ننتشي“.
*رواية سلوى جراح “حين تتشابك الحكايا” اختارت الأسى هوية لها، لا تشعر انها مستعارة من مواكبتشييع الشهداء في العواصم العربية حيث تشق النساء جيوبهن. لكن الموت هو الموت.
تمُتّ رواية (حين تتشابك القضايا) بصلة حميمة للأعمال الفلسطينية التي ارتوت من ماء دجلة رشفاتصافية، وذلك من جانبين، الاول ان كاتبتها “سلوى جراح” الفلسطينية التي قضت عمرا طويلا في العراق،وتعلمت فيه، وحملت عنه، ومن دخان معاركه العاصفة، وعيَ عناد نبيل مبكر من اجل العدالة وتصحيحالاقدار، والثاني موصولا بتجربة بطلة من ابطال الرواية في بغداد، احبت عراقيا، وفُجعت به، والحال فانالحديث عن هذه الرواية بلغة النقد الادبي المدرسي، من وجهة نظري، تدخل في محاولات (تبريد) ما اضرمتهمن نيران في قلوب اصحابها وقرائها وشهود احداثها.
الرواية تحاول ان تستقوي بيقين الوطن الفلسطيني المغيّب ظلما، فتتمايز عن الكتابات الفلسطينيةوالعربية، الاكثر حداثة، في معاينة مرارات والتباسات الواقع العربي من منظور اوزبورن القديم “التفت الىورائك في غضب” او ما جسده محمود درويش في صيحته الغاضبة: “أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف” ومنذ اوائل صفحات (حين تتشابك الحكايا) يتدحرج (غريب عطاالله) بطل الرواية الى عارضٍ مروّع في المنزل فيتم نقله الى المستشفى، ثم الى غرفة الانعاش، ليبقى حتىنهاية الصفحات، بين الموت والحياة، وتبقى سلوى جراح تحفر في ذاكرتنا ما تبقى فيها من فلسطين،القدس، غزة، طولكرم.
*نصر راغب، القاص الفلسطيني، وانا الموقع أعلاه، كنا صديقين في شلة تسكن حياً من احياء بغدادالشعبية. تركته موزعاً بين حيفا وبغداد، وبعد ان عدت بعد ثلاثين سنة كان نصر راغب قد توفى في حادثسير. كان يقول لي، بلهجة عراقية متقنة، ان الفلسطيني “ما يموت موت الله” تمييزا بين موت في نهايةالعمر، وآخر بفجيعة، واتذكر محاضرة القاها الاديب الفلسطيني الراحل محمد سمارة وهو صحفي له بصمةفي اعمدة صحف ثورة تموز 1958 في تأبين اديب عراقي بمقر اتحاد الادباء اواخر الستينات قال فيها انهناك تشابها بين موت العراقي وموت الفلسطيني، الى حد كبير.