حسين فوزي
يتذمر العراقيون من تدني قدرتهم الشرائية ومستوى معيشتهم، وهناك من يبتسر المشكلة في إدارة البنك المركزي في شخص محافظه ومجلس إدارته وبقية الملاك الوظيفي الرئيس، وقد يكون من الصحيح أن تدني الخبرة النقدية والدرجة العلمية للتحصيل الدراسي سبب رئيس في عجز الإدارة الحالية عن التصدي لعاصفة الدولار واللجوء لإجراءات متخبطة، لكن القضية تظل أكبر بكثير.
فمن الحقائق الرئيسة هي أن بريمر سمح بـ”اغتصاب” العولمة للاقتصاد العراقي، فتعطل كل الإنتاج المحلي، حتى الزراعة، حيث صار البعض يستورد الحبوب والدجاج من الجوار بسعر رخيص ويتقاضى مقابله دعماً بذريعة أنه انتاج محلي.
إن الموارد العراقية من النفط تخرج من البلاد إلى الجوار وبقية العالم مقابل سلع متدنية المواصفات، وعليه ليس هناك أي تراكم رأسمالي لاستثمار حقيقي يذكر، بجانب أن المشاريع التي تنفذ، إما ان تكون دون المواصفات إلى أدني الدرجات، او انها مجرد منجزات ورقية.
وبالمجمل أن موارد العراق مستباحة من خلال صادرات الجوار التي تقتل كل منتج وطني، أو فساد مستشر يبتلع جزء كبير من عوائد النفط، حتى صار العراق في المرتبة السادسة بمنطقة الشرق الأوسط من حيث ثراء البعض بثروة مقدارها 15 مليار دولار توزعت على 175 ثرياً، ؟!؟ وهذا يعني بغض النظر عن حجم غطاء العملة من العملات الصعبة والذهب ومقتنيات العراق من سندات خزينة الدولة الأميركية، فأغلب “رجال اعمال” ما بعد الاحتلال الأميركي منسجمون مع العولمة في التحول إلى وكلاء لمصالح اجنبية، وليس منتجين، وهو ما يفرز مباشرة مجتمعاً استهلاكيا محضاً، بدون أية إضافات للدخل الوطني: فالمواطن مستهلك محكوم بوكلاء الرأسمال الأجنبي وسلعهم الرديئة، ضمنها الغذاء والأدوية منتهية الصلاحية أو المخصصة علفاً حيوانياً، وهناك الثقب الكبير للفاسدين سراق المال العام، الذين يحاول رئيس مجلس الوزراء السوداني وحكومته التصدي لهم، في ظل معوقات تشريعية وأجهزة مساءلة وملاحقة مصلحتها متعارضة مع الإصلاح والتغيير.
وعلى سبيل المثال فأن خطوة التحويل بالسعر الرسمي للمسافر، تبتلعها أدوات فاسدة ومضاربون لهم خبرات كبيرة في النهب والاحتيال، ما يزيد من تذمر المواطنين. مع أن هذه مسالة صغيرة في معايير نفقات العراق من العملة الصعبة. وجاءت خطوة استحواذ بعض المصارف على ودائع المواطنين من العملات الصعبة خطوة أخرى في النهب في انتهاك صارخ لدستور يحمي الملكية الخاصة واصول التعامل النقدي في العالم. ضمنها قضية إلزام المستفيدين من الحوالات الخارجية بالدولار على استلامها بالدينار، مما يعني كارثة لأصحاب المشاريع، وتدني في المستوى المعيشي لمن يعتاشون على دعم ذويهم في الخارج.
إن اجبار مستلمي الحوالات الخارجية على استلامها بسعر الدولار الرسمي، غبن كبير، وخطوة غير مدروسة، تزيد من تدني الثقة بالنظام المصرفي، حيث هناك كتلة نقدية جامدة مكتنزة في “فريزات افقية” تقارب 100 ترليون دينار، وفقاً لدراسة د. عبد الرحمن المشهداني، كان المفترض ان تكون في المصارف لتمول مشاريع تنموية.
وفي بلد مجاور، تركيا، وفي مواجهة مشاكل اقتصادية ونقدية، أقدمت سلطات البنك المركزي على خطوتين رئيستين:
– زيادة سعر الفائدة لجذب الأموال المكتنزة.
– إلزام مودعي الدولار ومستلمي الحوالات على ان يتم شراء عملاتهم بالسعر الرسمي ثم تباع لهم وفق سعر البيع الرسمي أيضاً، مما يحقق هامشاً من ضريبة غير مباشرة على العملة القادمة والمودعة.
إن إدارة البنك المركزي ووزارة المالية تفتقر إلى الوعي المطلوب بتجارب اقتصادات مجاورة وعالمية، ضمنها المانيا واليابان، في ظل هجمة كاسحة من الجوار وبقية المنتجين على الأسواق العراقية، حد أننا نستورد التمور والالبان…وهو ما يعني الحاجة إلى تعاضد حقيقي بين إدارات دعم الإنتاج الصناعي والزراعي والسلطات الجمركية والضريبية، لحماية المنتج الوطني دفاعاً عن قيمة الدينار، الذي ينبغي ان يكون البنك المركزي حامي حماه، وهو ما لا يتحقق بقرارات البنك المركزي وحده، بدون تحقق صناعة وزراعة وطنيتين.
رحم الله د. سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي السابق ومساعده د. مظهر محمد صالح، اطال الله عمره، اللذان سعيا من اجل خطط تحمي الدينار بلا خطوات مستعجلة، فلم نعرف زمنهما هذه الازمة، لكن وكلاء الرأسمال الأجنبي ازاحاهما وجرماهما بـ “محاولة حماية المستوى المعيشي للمواطن العراقي”!؟
أكبر من البنك المركزي… / حسين فوزي
(Visited 86 times, 1 visits today)