ممارسة الطب في العراق” د.عادل جعفر

ممارسة الطب في العراق” د.عادل جعفر

د. عادل جعفر
استشاري طب نفسي

ممارسة الطب في العراق يتطلب تجربة واعية ذاتية فريدة بنكهة عراقية معاصرة و معقدة ، أنهكت الوعي اليقظ للعديد من الاطباء العراقيين لتهبط بهم درجات عديدة نحو الهاوية ، إذ انهكت قدرتهم على ما يعرف بالإدراك الواعي و قدرتهم على تمييز المؤثرات و المحسوسات و الأستجابه لها .
انها تجربة أدت الى أفراغ عقولهم من قدرتها على الشعور العقلاني بالمدروكات الحسية و التفاعل معها ضمن المنطق و المعقول و ذلك بسبب الخوف … الخوف من المجتمع!!.
ممارسة الطب في العراق تحدي صارخ ليقظة العديد من الاطباء و ارادتهم الحرة وقدرتهم على ممارسة فنون الطب و الجراحة لتجعل منهم أشخاص فاقدي الكفاءة منهكين …متشككين في قدراتهم ،، مهددين باتهام الغفلة و الخطأ العمد، اذ اصبح الخوف يهدد حكمتهم و سابقا كان يسمى الطبيب بالحكيم.
ممارسة الطب في العراق أصبحت تهدد الذات الواعية للطبيب لتجعله يقع تحت طائلة الأتهام و الاهمال المتعمد، حتى أصبح العديد منهم لا يعي و ان كان يعي فهو لا يعي بأنه يعي.
ممارسة الطب في العراق ستقضي ان لم تكن قد قضت على طريقة رؤية الأطباء العراقيين للعالم و على طريقة احساسهم بمشاعرهم ليعيشوا تجربة مؤلمة متكررة خلال عملهم اليومي تحت التهديد و الوعيد !!.

اما المثال على ذلك هو اقتباسي لمذكرات طبيب عراقي …
(لكل ابنائنا المتفوقين الدين يحلمون بان يصبحوا اطباء في هذا البلد)
في تموز عام ٢٠١٥ دخل للعيادة مريض اربعيني يشكو من جرح نازف هرسي في طرف اصبع السبابة(crushed wound injury in distal phalanx of index) وهو يصرخ من الالم ……واللي لفت نظري ملابسه الرثة القديمة وعلامات الفقر المدقع…….تركت باقي المرضى وانطيت المريض تخدير موضعي واجريت هندمة وخياطة الجرح……واذكر طلبت منه مبلغ جداً بسيط(عشرون الف دينار) والتي لاتغطي حتى تكاليف المواد المستخدمة في العملية..
بعد شهر دخل المريض برفقة احد الاشخاص.. وبعد الاستفسار عن الجرح ..فاجأني بانه لم يأتي لاكمال العلاج بل جاء ليبلغني بانه اقام ضدي دعوة قضائية وان الشخص المرافق هو محاميه.والسبب باني اجريت عملية بتر لطرف السبابة بدون موافقته وبدون اعتراف خطي بالموافقة…..

وبعد لحظات من الصدمة والانهيار النفسي ..استجمعت قواي و اجبته باني لم اقوم بالبتر لانه اصلاً كان مبتوراً واني اخذت موافقتك الشفوية والحالة طارئة ما عندي الوقت لاوقعك بالتعهد الخطي وانك كنت بكامل وعيك وانا اجري العملية ..لو كنت غير موافق لطلبت مني التوقف في اي لحظة ..
فرد المحامي باني اما ان ادفع تعويض مالي ( خمسة ملايين دينار )او نكمل الشكوى

فرفضت التعويض ..

بعد ايام تم القاء القبض علي واخرجت بكفالة ..
استمرت المحاكمات واللجان والاستدعاءات لثلاث سنوات
وتعرفون #قراصنة_الفصول_العشائرية في استغلال هيچي موضوع والبدء بالمساومات المادية وتهويل حكم المحكمة لكني كنت صامداً ….
الصراحة كانت من اصعب الاوقات اللي مرت علية ..شلون تنام وانت يكتم على صدرك الشعور بالظلم من اناس عاملتهم بالاحسان والانسانية ..شلون اشتغل واكمل حياتي المهنية وسط الخوف والتهديد والخداع…شلون اربي جهالي بنص ناس تتحين الفرص حتى تنقض علي ..
وكان اصعب الامور واللي ارعبتني وخلتني اعيد النظر في كل حياتي الاف المرات
هو #قاضي_التحقيق …..
حيث استدعاني في احد المرات وطلب من السكرتير افراغ المكتب…..واني كل ظني يريد استشارة مرضية او فحص وهذا دائما يواجهوا الاطباء….. لكنه فاجأني بطلب #رشوة ..
بس كنت متماسك ولان اعرف كل الادلة لصالحي ..و رفضت الرشوة
في نهاية العام ٢٠١٧ الحمدلله نلت براءتي
وكان درس قاسي تعلمت من عنده ان العيش في وطني انتحاراً وان القادم اسوء ..

واخيراً ومن بروكسل في بلجيكا
اتقدم بالشكر لجشع ذلك المريض ولقاضي التحقيق لمساعدتي في اتخاذ قرار الهجرة .

(Visited 14 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *