بقلم د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
هل التحرش الجنسي.. اضطراب سلوكي يدعمه خلل مجتمعي مؤيدًا من قبل عقل جمعي؟
ام انه تحت سيطرة و كبح العقل الفردي؟
هل السلوك المضطرب للمتحرش هو نتيجة لمشاركته العقل الجمعي ؟
هل المتحرش شخص مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللً يجعله يتصرف هكذا ؟
هل هو شخص مريض نفسي؟عادة ما استبعد انا هذا الاختيار الأخير !!!
من المسؤول عن غياب ضمير المتحرش؟
هل غياب ضمير المتحرش بسبب انفلات عقله الفردي … ام إن ضميره يعمل ضمن مظلة غياب العقل الجمعي؟
هل المتحرش مجرد ضحية لفكرة بدائية أفرزتها المجتمعات؟ في حال اعتبرنا أي مجتمع هو مصدر الكهرباءالتي تُفعّل الدافع إلى نيل الإعتراف ، فالمتحرش ينظر إلى التحرش الجنسي كمكان لنيل الاعتراف به منالعالم الأنثوي!! و بناء عليه ينصب فعل التحرش على المجتمع و ليس على المتحرش!!
في البدء ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو الاخبار التي اسمعها من بعض النساء التي يراجعن العيادةالخاصة حول ظاهرة التحرش بهن في سيارة الأجرة أو في الشارع او حتى داخل المجمّع الطبي الذي تقبععيادتي فيه!! لهذا قررت ان اكتب عن هذه الظاهرة من خلال تحليلي لطبيعة المتغيرات التي تعرض اليهاالمجتمع العراقي.
سأبقى اطرح الاسئلة مثل ما فعلته في بداية المقال!!
هل كان التحرش يشكّل ظاهرة في العراق مثل ما يشكله الان خاصة و نحن تحت مظلة حكم الأحزابالإسلامية و أيضا تحت مظلة انتشار ظاهرة التدين( التدين الشكلي) عند العوام و الخواص و الكل يتكلمبالوكالة عن الله و الدين و الشرع و الذمة و الضمير و الشرف من منظور ديني بحت !!!
ما الذي حصل مؤخرا ؟ ما هذا الانفلات ؟ ما هذا الفجور ؟ و على من نضع اللوم ؟
هل المرأة المُتَحرَش بها هي السبب؟
هل التوجيه الديني هو السبب؟
هل هناك ضعف في التوجيه الأسري ؟
هل هو ضعف القوانين الرادعة ؟
وغيره من قوائم طويلة من الأسباب.
هناك دول تكتظ بالسكان ولم تعتنق الديانات السماوية و ليس فيها رجال دين و عمامات بالمئات مثل ماعندنا و ليس عندهم حوزات دينية على اتصال دائم بالسماء مثل ما عندنا !!!
أي بمعنى ان سمة الدين و التدين غائبه عندهم، لكن لم نسمع عن وجود ظاهرة تحرش هناك!!!
هل سابقا كان هناك قوانين خاصة بالتحرش هي التي منعته و الان هذه القوانين غير موجودة و بسبب ذلكتفشى التحرش ؟ الجواب :لا
الموضوع يا سادة و بشكل علمي هو الفرق بين العقل الفردي والعقل الجمعي !! نعم هو كذلك …. واليكمالتفاصيل:
ما هو العقل الفردي ؟
العقل الفردي هو القوة الرادعة لكبح جماع النفس البشري..
“سين “من الناس في حالة هياج جنسي، لدية رغبة شديدة بالاعتداء الجنسي على أمرأة ليست حلاله، ولكنعقله سوف يقف عقبة أمام محاولة إشباع هذه الرغبة .
“صاد” وصديقه بقربه يأكل ساندوتش… … هنا عقله يمنعه من خطف ما بيد صديقه لإشباع جوعه..
“سين“رأى “صاد” و بيده رزمة من الأوراق المالية ويعد نقوده، عقله يمنعه من خطف ما بيد صديقه لسدحاجته وإشباع عوزه و فقره.
انه و بسبب هذا العقل الفردي تم تكليف البشر بعد إنسنته و تمتعه بهذا العقل، فأصبح الإنسان مكلفاًشرعًا و قانوناً ، اي تنطبق عليه الأمثال الشعبية (كل لشه تتعلگ من كراعها) و (الما يعرف تدابيرة حنطتهتاكل شعيرة) .
هذا العقل الفردي هو الذي جعل (عتٌابْ . . گصوا خشمه وما تاب) و جعل (الحليم .. يطلع من العواقبسليم)و جعل (العاقل . . اللٌي يفكٌر بعواقب الأمور)
عندما يفقد الإنسان هذا العقل ،لا يمكن محاسبته حتى وان قتل كل الناس جمعاء جمعاء !!.…
ان فقدان هذا العقل هو ما جعل الشرائع السماوية تسقط التكليف عن الطفل والمجنون والنائم والسكران.
وبالطبع، سنجد أن القاسم المشترك في هذه الحالات الأربعة هو غياب العقل.
و بطبيعة الحال المتحرش ليس طفلا و لا مجنونا و لا هو نائم أثناء التحرش، و ان النسبة العظمى منالمتحرشين لا نراهم سكارى و ما هم بسُكارى.
أمّا “العقل الجمعي“ يا سادة ؛فهو وفق تعريف علمي “جملة الحسابات التي يؤتيها العقل الفردي استناداإلى القياسات المجتمعية“.
فعلى سبيل المثال ؛لا يخرج “سين “من الناس عارياً خارج منزله، اذ يأتيه الردع على فرضية استياء المجتمعمن هذا المظهر الشاذ. و كلما تطور المجتمع بدأ يحاسب “سين“ على تفاصيل ما يلبس و يرتدي ،ف سين اوشين ،لا يخرج بقميص غير مكوي و لا يلبس قميص لا ينسجم لونه مع لون البنطال.
في العقل الجمعي نحن نفعل ما يرضاه لنا المجتمع و نرتد عن فعل شيء يستاء منه المجتمع ؛و هو مانمارسه و نلتزم به وفق الأمثال الشعبية (كل ما يعجبك و البس ما يعجب الناس) (اكعد اعوج و احجيعدل) (ألأمام ألما يشور يسموه أبو الخرك) . و كثيرة هي الأمثال الشعبية التي تدل على أن حكم وذوقالمجتمع مقدم على صلاحيات الاشخاص فرادا.
في هذا الزمن نجد سين يرتدي البنطال المهترئ حول الركبة لانه لا يبالى بحسابات الوقار المجتمعي….أيانه لم يستحضر الحكم المجتمعي. بينما نجد الزوجة في السبعينات او الثمانينيات على سبيل المثال لمتسمح بخروج زوجها الموظف وياقة قميصه متسخة “الناس شتگًول عليك، متزوج من وحدة مهملة؟“.
في ذلك الوقت كانت الأمثلة الشعبية و التي تعكس العقل الجمعي فعّاله و كان العقل الجمعي ايجابياً وفعّالًا، و كان كافياً لردع تصرفات كثيرة حتى وان توافقت مع الحسابات الشخصية.
الآن لماذا اختفت عبارة ” كل ما يعجبك و البس ما يعجب الناس ؟” أو بمعنى آخر لماذا تقلص العقل الجمعيالمحترم أو….. لماذا تغيير ؟
ان حالات التحرش تستحق وقفة و ذلك لصلتها بمفهوم العقل الجمعي و ثقافة دوافعه و الظروف التييتكون فيها. اذ يعتقد المتحرش ان المرأة التي تخرج من بيتها هي تريد أحد يعاكسها و يغازلها، بلاستفحلت ظاهره أخرى و هي ظاهرة التحرش بالمرأة العاملة.
هل لهذه الظاهرة علاقة بالعقل الجمعي الذي يتواجد تحت مظلة التدين الشكلي و الشعور بالنقص والغضب و الغرائز الغير مشبعة و القمع و الحرمان ؟
ان تلك العناصر الكامنة و المكبوتة في دواخل الأفراد وعقلهم الباطن هي من تشكل العقل الجمعي، و أن أهمملامح ذلك العقل الجمعي تتشكل وفق تفاعل المكبوتات المتنازعة للمجموع فيتغلب المكبوت القوي منها علىالأقل قوة.
انه عقل جمعي جديد لمفهوم الرجولة و السلطة التي تمارس مفهوم ” سيكولوجية الفأر“، الذي يقضم ويهربو ذلك نتيجة تدني القدرات العامة لدى المتحرش، كونه شخصا يعتقد أنه يمارس السلطة والرجولة، علىأنثى، ويثبت وجوده كشخص مرغوب فيه.
هكذا و رويدا رويدا اصبح التحرش عبارة عن تشوه مجتمعي يلوم الضحية ويعذر الجاني.