حسين فوزي
في أيام تأسيس الدولة العراقية 192 -1932، كانت هناك مواصفات مستقاة من بعض توصيف القرآن الكريملإيثار المؤمن ونزاهته والتقاليد المحلية، وبالأخص معايير الإمبراطورية البريطانية في كل شيء، وتغليبالمعايير البريطانية في حالة أي تعارض، كون “المحررون” البريطانيون بعد 1917 كانوا يريدون دولة قادرةعلى “مسك” الأرض فاصلاً بين الهند والمستعمرات الأخرى و“البر الأوربي“.
ومع أن بريطانيا أقامت دورات خاصة لتخريج أبناء العشائر ضباطاً دون تحصيلهم أي شهادة علمية،تراكمت معايير الدراسة حتى تبلورت في مواصفات نوعية تتسم بها الشهادات الدراسية العراقية، فصارخريجو كليات الطب والهندسة والحقوق والعلوم العسكرية والطيران موضع ترحيب وقبول مباشر منالكليات الغربية.
لكن هذه الكفاءة تعرضت لهزة مؤقتة حين قرر رئيس الوزراء المرحوم الزعيم الركن عبد الكريم “تزحيف” الراسبين وعدهم ناجحين للسنة الدراسية 57-1958، لكن هذه الهزة البسيطة تم تجاوزها بالعودة للتمسكبالضوابط العلمية بعد “مرسوم الزحف“.
وفي ثمانينات القرن العشرين بدأت حالة تراخٍ متصاعدة في الضوابط العلمية، حد أن أسئلة الامتحاناتالوزارية كانت تصل سراً للممتحنين من أنصار السلطة الشمولية، وصار الكثير من مسؤولي الدولة حملةشهادات عليا، وبعضهم لا يعرف كتابة الهمزة والضاد ناهيك عن أوليات العلوم، ومن الأمثلة الصارخة علىاسترخاص شهادة الدكتوراه حصول سكرتير رئيس النظام على الدكتوراه في “اطروحته” “تحرير الفاو“،وهي مجرد تسجيل لأحداث بشكل ناقص يعوزها تحليل وفق معايير العلوم العسكرية والسياسيةوالاجتماعية.
وكان تولي أناس لم يكملوا الدراسة الإعدادية، واحياناً دون الابتدائية، لأرفع مناصب الدولة، حتى صارعسكريون ومواطنون يلقبون بعضهم بـ ” العريف الركن الطيار وزير الدفاع” أو “شرطي أول ناحية العلمالفريق الركن وزير الوزارات” أو “المضمد رئيس الوزراء“…
وانعكست هذه القفزة في تجاوز معايير التدرج الدراسي والعلمي وبقية المواصفات المطلوبة لمناصب الدولةالرفيعة في عزوف الشباب عن الدراسة والتحصيل العلمي، بفعل أن المصاهرة والولاء الشخصي والانتماءالعشائري باتت المؤهل للترقي وظيفياً، وشملت النشاط التجاري والصناعي والزراعي الخاص.
وظن البعض ان “المحررين” الأميركان والمعارضة القادمة بصحبتهم لتسنم السلطة سيسترجعون المعاييرالعلمية والوظيفية في إدارة الدولة، لكن شهادات مزيفة لجامعات لبنانية وأخرى مشتراة بألاف الدولارات بلاأية مواصفات علمية تسيدت الساحة.
ووصل التداعي أن أسئلة الامتحانات الوزارية توزع عبر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف حالةسائدة…. فكثر هم من يريد “وريقة” شهادة تغطي على اقتناصه وظيفة مرموقة تضمن له راتباً ضخماً لولائهأو جهويته أو طائفته.
والمؤكد أن هؤلاء اللصوص الدكاترة والأساتذة والباحثين الزائفين لا يمكن أن يكونوا متجردين يحرصونعلى المصلحة العامة، ولا يمكن إلا أن يكونوا نشالين بدرجة وظيفية رفيعة، وهم من دناءة النفس حتى أنولاءاتهم كاذبة، وهم يعبدون الدولار، ويسعون لبيع كل شيء لملء ارصدتهم الخارجية بالمزيد.
هذا الوضع شكل ويشكل تحدياً لمريدي الاصلاح مثل د. حيدر العبادي، والسيد عادل عبد المهدي، وأخيراالمعاناة الكبيرة للمهندس محمد شياع السوداني في البحر المتلاطم للفاسدين وعديمي الكفاءةوالضمير…الذين يبتكرون كل العراقيل لوأد مشروع الإصلاح والتغيير، وهم خطر كبير على سيادة الوطنوقواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية.