بقلم: هشام داوود
أعلنت حركة طالبان باكستان وهي مجموعة من الجماعات الإسلامية المتشددة أنها بصدد إنشاء “إقليم ظل” في منطقة إقليم بلوشستان جنوب غرب البلاد، وكانت هذه المنطقة التي تضم مدينة گوادر الساحلية الواقعة ضمن رقعة مبادرة الحزام والطريق مسرحاً لتمرد انفصالي منخفض المستوى منذ ما يقرب من عقدين مع استهداف المصالح الصينية بالهجمات.
إن حملة طالبان الباكستانية الجديدة للسيطرة على جنوب البلاد تهدد بأن تكون (مشكلة كبيرة) بالنسبة مشاريع البنية التحتية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وفي محاولة من حركة طالبان باكستان لإنشاء إقليم “قلات مكران” ستحاول الجماعة الإرهابية إنشاء حكومة موازية في منطقة تغطي حوالي ٤٠٪ من مساحة بلوشستان بما في ذلك خط ساحلي يبلغ طوله ٧٦٠ كيلومترا.
قبل عام من الآن أنشأت الجماعة إقليم ظل آخر لكنه كان في شمال بلوشستان ويسكنه في الغالب البشتون والتي وهي مجموعة عرقية تمثل الجزء الأكبر من قيادات وكذلك أعضاء حركة طالبان باكستان.
ويأتي هذا الإعلان بعد أقل من شهر من اقتحام مسلحي الحركة لمنشأة لإنتاج الغاز الطبيعي والنفط في شمال غرب باكستان مما أسفر عن مقتل ستة من رجال الشرطة والأمن، وحركة طالبان باكستان معروفة بهجماتها المتكررة داخل باكستان لكنها لا تسيطر رسميا على أي إقليم.
لهذه الأسباب جعلت بكين استثمارها الجديد في بلوشستان مشروطاً بضمانات أمنية، لأن التهديد الذي تسببه حركة طالبان باكستان يعتبر من أكبر المشاكل هناك.
ولذلك استضافت الصين محادثات ثلاثية مع باكستان وإيران بخصوص مكافحة الإرهاب وأفادت التقارير أنها ركزت على الوضع الأمني المتدهور تحديداً (في بلوشستان).
إن ميناء گوادر يعتبر قلب الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ تكلفته ٥٠ مليار دولار، وهو العنصر الباكستاني الرئيسي لمبادرة الحزام والطريق الذي يمتد عبر العالم.
في ظل الحكومة الباكستانية السابقة كانت الحملة قد توقفت (أي حكومة عمران خان) لكن رئيس الوزراء شهباز شريف الذي تولى السلطة العام الماضي تحرك لإحياء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في خضم أزمة اقتصادية تخللها ارتفاع التضخم وتضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي.
في الواقع أن حكومة شريف تبذل جهودا متضافرة لتنشيط الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني كوسيلة لإنعاش اقتصاد باكستان وإن مقاطعة الظل الجديدة لحركة طالبان باكستان ستضر بهذه الخطط، وهذا ما يتفق عليه اغلب خبراء مكافحة الإرهاب في العالم.
في العام الماضي انضمت أربع جماعات إسلامية بلوشية إلى حركة طالبان الباكستانية وعززت جهودها الدعائية من خلال مقاطع فيديو وبيانات تحث السكان في الإقليم الفقير على الانضمام إلى صفوفها، قد تكون مقاطعة الظل الجديدة محاولة لمحاكاة حملة طالبان الناجحة إلى حد كبير لإدارة حكومة موازية في أفغانستان قبل أن تستعيد السيطرة على البلاد في عام ٢٠٢١ إذ تقوم حركة طالبان باكستان بتنويع شبكتها لتحقيق مكاسب استراتيجية من خلال إنشاء مقاطعة ظل جديدة في إقليم بلوشستان.
هذه المنطقة تغطي حدوداً بطول ٤٠٠ كيلومتر مع إيران وقد تؤدي الهجمات المكثفة إلى إحباط خطط باكستان لتعزيز واردات الطاقة الحيوية من جمهورية إيران الإسلامية.
لكن التهديد الذي يواجه الاستثمارات الصينية الجديدة قد يكون مصدر القلق الأكبر حيث شنت الجماعات الانفصالية الإقليمية هجمات مميتة على المواطنين الصينيين والمصالح التجارية لسنوات عديدة بما في ذلك هجوم عام ٢٠١٨ على القنصلية الصينية في كراتشي وتفجير انتحاري العام الماضي أسفر عن مقتل ثلاثة أكاديميين صينيين مع سائقهم.
المبهم في الموضوع هو كيف سيتعايش المتشددون الإسلاميون من حركة طالبان باكستان مع المسلحين الانفصاليين البلوش اليساريين في إقليم الظل الجديد، لكنهما يجمعهما عدو مشترك وهو الحكومة الفيدرالية الباكستانية، على الرغم من أن الانفصاليين لديهم أيضا تاريخ من التعايش مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وإذا ما استطاع الانفصاليون البلوش التعايش مع الدولة الإسلامية فيمكنهم أيضا أن يفعلوا الشيء نفسه مع حركة طالبان باكستان، حتى وان كان هذا التعايش مؤقتاً لأجل تحقيق هدف معين.
وأي تعاون بين الجماعات المسلحة في الهجمات المستقبلية يمكن أن يزيد من الضغط على جهود الحكومة الباكستانية التي تعاني من ضائقة مالية حادة.
ختاماً فإن باكستان بحاجة الى دعم حقيقي من القوى الإقليمية الفاعلة الأخرى لاحتواء التهديدات الأمنية الناشئة من مقاطعة الظل الجديدة لحركة طالبان باكستان وليس إلى دعم الصين فقط اذا ما ارادت إنعاش اقتصادها.