ماتَ السيِّد

ماتَ السيِّد

الشعوب تُعرف بمواقفها ، والمواقف صور حيّة لاتحتاج الى تفسير وتأويل،
فهي تنقل إليك الحقيقة بالصوت والصورة كما يُقال ، الكرم والشجاعة
والإباء والنخوة صفات ليست غريبة على ابناء الجنوب العراقي فهي صفات
ملازمة لهم وقد كُتب عنها الكثير حتى من الرحالة والمستشرقين، قضاء
الفهود يقع في قلب اهوار الجنوب العراقي ضمن محافظة ذي قار، سكانه
يُقدّر عددهم بتسعين الف نسمة ) حسب التعداد المُقدّر عام 2009 ( ،
المدينة ليست بأحسن حالٍ من زميلاتها مدن الجنوب من إهمال حكومي
وانعدام الخدمات، لكنها رغم ذلك كانت معقاً للثوار والمناضلين، إبتداءً
من مقاومة الإستعمار التركي والبريطاني، مروراً بإنتفاضة نهاية السبعينات
) دعوة الشهيد الصدر الأول ( الى انتفاضة 1991 المجيدة التي كان لأبناء
الفهود فيها دور محوري ، مدينة الفهود كالمدن العراقية الأخرى آوت بكل
حب عدداً من الإخوة المصريين الذين استقدموا ايام الحرب العراقية
الإيرانية لتعويض النقص الحاصل بالأيدي العراقية العاملة بسبب تجنيد
الشباب العراقي لماكنة الحرب، بعد احداث غزو الكويت عاد أغلب المصريين
الى بلدهم ولم يتبقَّ منهم إلا أفراد متوزعون على المدن العراقية، بقي
في مدينة الفهود ثلاثة من المصريين، فضلوا البقاء والعيش مع ابناء
المدينة على العودة الى مصر، هم )رشاد المصري، سيد المصري، وثالث
تزوج من عشيرة العمايرة وبنى له بيتاً وانجب اطفالاً(.
سيد المصري، هو ) سيد محمد ياسين محمد المصري ( تولد المنصورة
1961 ، دخل العراق عام 1984 ، عمل صبّاغاً مع مجموعة من المصريين
في مدينة الفهود ، صار جزءاً من ابناء المدينة ، يعمل نهاراً ويسكن
لياً عند السيد ) مجيد عاشور ( يرتاد مقاهي المدينة كأبنائها، يتردد على
)مقهى صالح( و)مقهى ابو وضاح(، احبه ابناء المدينة بشدة وأحبهم هو
كما احبوه، كانوا يعدونه أحد ابنائهم وأكثر من ذلك، سيد المصري يرتاد
الدواوين والمضائف ويحضر المناسبات ويعرف كل تفاصيل المدينة واهلها
وشيوخها ووجهائها مثلما يعرفونه هم، كان يقول دائماً )انتم أهلي(، )أنا
من الفهود(، سيد المصري يتقن لهجة ابناء الهور ومفرداتها الصعبة، لكنته
المصرية على حالها لم تتغيّر، عشقته الفهود وعشقها، قبل مدّة مَرِض
سيد المصري، فمرض معه ابناء المدينة، احتضنه في مرضه السيد جليل
الحمداني ) صاحب مقهى ابو وضّاح (، لم تنقطع عنه زيارات ابناء المدينة
رغم جائحة كورونا، كان يتواصل مع أهله في مصر عبر الواتساب، كتب
شاعر الفهود المبدع صبار العامري قصيدة عن مرض سيد المصري:
حسبات ليلك وحدك تكضيها
حسرة الغربه اومصر ماناسيها
مابين كهوة صالح أو غرفه ابلوك
بين اهلك الماتو وبد ماشافوك
حته الكرابه اوداعتك ماعرفوك
يالسيد المصري المرض تاليها
أوصى سيد المصري أن يُدفن في مقبرة وادي السام في النجف الأشرف
بجوار سيد النباء الإمام علي ابن ابي طالب عليه السام، مات سيد
المصري يوم الإثنين 1/ 2/ 2021 ، فحزنت مدينة الفهود وتوشحت بالسواد،
خمسة مجالس للعزاء وتشييع مهيب لم يبقَ أحدٌ من ابناء الفهود إلا
وشارك بالتشييع، ذبحوا الذبائح وبذلوا الطعام ثواباً على روحه الطاهرة،
لم يكد ينتهي مجلس عزاء حتى يبدأ الآخر، ودّعوا ابنهم وحبيبهم سيد
المصري بالدموع والحزن، موقف تاريخي جديد تسجله مدينة الفهود
وتبعث من خلاله رسالة الى من يهمه الأمر، هؤلاء نحن، كنّا ومازلنا
نتعامل بهذه القيم التي رسمها لنا ديننا الحنيف وأئمتنا الأطهار واجدادنا
الأبرار ولم نتأثر يوماً بالأصوات النشاز والإعام الأصفر الذي حاول ان يزرع
بذور الطائفية المقيتة التي لم يكن لها مكانٌ في مدننا وقبائلنا يوماً من
الأيام، مدينة الفهود مثال حي للإنسانية والشهامة، شكراً لكم يا أبناء
الفهود ورحم الله سيد المصري.

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *