—————————-
من يقف بوجه مصادرة الديمقراطية
حسين فوزي
بات من الواضح بشكل لا يقبل اللبس أن القوى المتحكمة في مفاصل سلطات الدولة، ومن خلال كتلها النيابية، تسعى إلى “اقتياد” حكومة السيد محمد شياع السوداني إلى التصادم مع قوى التغيير والتقدم في المجتمع العراقي.
وهي في هذا المسار تسعى إلى خوض مواجهة غير مباشرة مع قوى الانتفاضات الشعبية في 2011و 15 و19 محتمية بالسمعة الطيبة التي يتمتع بها رئيس مجلس الوزراء ومنجزاته في محاربة الفساد برنامج وزارته الطموح، بقصد تطويق قدرات قوى المعارضة على الاحتجاج السلمي من خلال تكميم الافواه وتضييق فرص الاجتماع والتظاهر والحصول على المعلومة ونشرها، وفقاً لما جاء في مشروع قانون حرية الرأي والتعبير الذي تسعى لتشريعه هذه الأيام. وهي محاولة لإضفاء “المشروعية” باسم القانون على سياسة قمع مغلفة بتشريع يصدره مجلس النواب وليس “مجلس قيادة الثورة” المخلوع.
ولم يكتفي مشروع القانون بتضييق حق التظاهر والنقد والاجتماع على فصائل المجتمع والكتاب، بل في المادة 19 يمنح صلاحية “إسكات” أصوات المرجعية في النجف وكربلاء، بـ”حظر” تناول الشأن السياسي في الجوامع والمؤسسات الدينية بالنص على منع “عقد الاجتماعات العامة في أماكن العبادة أو المدارس أو الجامعات أو دوائر الدولة، الا إذا كانت المحاضرة أو المناقشة التي يعقد الاجتماع من اجلها تتعلق بغرض مما خصّصت له تلك الأماكن”. “مع أن التاريخ العراقي المعاصر يبين أن دور العبادة واحياء ذكرى استشهاد آل البيت اصبحت تقليدياً، أماكن للاجتماعات العامة وإلقاء الخطب في الشؤون الدينية والسياسية، “وإذا تجاوزنا مساجد براثا والكاظمية والعديد من المساجد المسيّسة أصلاً في بغداد، فإن منابر مساجد النجف وكربلاء اصبحت منابر اعلامية سياسية بامتياز، منها نعرف مواقف المرجعية ورموز الحوزة الدينية في النجف الأشرف من القضايا الدنيوية والسياسية بصورة خاصة..” على حد تعبير د. جاسم الصفار.
إن مشاريع القوانين التي تحرص دورة مجلس النواب الحالية على تمريرها بصيغها المبهمة المطاطة غير المحددة وفق توصيفات فقهاء الدستور، بعد الانسحاب الخطير لنواب التيار الصدري وقبله نواب التيار المدني الديمقراطي، تشكل خطوة استباقية للتصدي باسم القانون لأي حراك جماهيري قادم، ضمن مخطط المقاومة المستترة للإصلاحات التي بدأها د. حيدر العبادي وواصلها بقوة أكبر رئيس الوزراء الحالي.
وهكذا، فأن البرلمان الحالي يسعى إلى استرجاع صيغة “وما شابه ذلك” المبهمة التي سادت في تشريع القوانين أيام ولاية نوري باشا السعيد لمواجهة القوى السياسية المعارضة.
كما أن مشروع قانون الانتخابات الذي تتم قراءته وتعجيل تمريره يسعى بشكل صريح إلى إضعاف فرص التيار الصدري وقوى المعارضة المدنية الديمقراطية في الانتخابات المقبلة، ضمن مسار يراد به الاستفراد بنتائج الانتخابات من قبل القوى المهيمنة على البرلمان الحالي، من خلال تفصيل القانون على وفق مقاسات الكتل النيابية الرئيسة الراهنة.
إن المرجعية الدينية في النجف حامية المجتمع المدني المتعايش، ورئيس الجمهورية، حارس الدستور، ونقابتا المحامين والصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان والقوى السياسية المدنية الديمقراطية مدعوة جميعاً لإبداء رأيها في رفض مشروع مصادرة حقوق الراي والتعبير والتظاهر والوصول للمعلومة ونشرها، فهذا المشروع يعني أضفاء “المشروعية” على قمع كل من لا ينسجم مع أطراف السلطة القائمة. وبالضرورة هناك حاجة ملحة لعقد مؤتمر وطني عام برعاية وحكمة المرجعية، ومشاركة المكلف شخصياً بحماية الدستور والسهر على سلامته وفق المادة 67 من الدستور، لوقف هذا التداعي الخطير في ضمانات حرية الرأي والتعبير والحرية الشخصية في السلوك غير المضر بالمجتمع.
والمفارقة المضحكة هي أن الماسكين بالسلطة عندنا يحاولون دفع المجتمع إلى الخلف ووقف نشاطاته التقدمية، فيما ولي العهد السعودي يسعى لدفع بلاده نحو التحديث والمزيد من احترام الحريات الشخصية، كذلك الحال في إيران التي خفف مرشدها الأعلى السيد الخامنئي بعض الإجراءات الضاغطة على الحريات الشخصية والعامة استجابة للانتفاضة الأخيرة بعد مقتل الشابة مهسا.
أين نقابتا الصحفيين والمحامين ؟ حسين فوزي
(Visited 54 times, 1 visits today)