بقلم: تحسينعلي كريدي
بمناسبة يوم المثقف العراقي25 تشرين الثاني
يختلط توصيف المثقف لدى الكثيرين؛ وذلك لأندلالة المصطلح متشعبة؛ وإن المفهوم السائد لدىهؤلاء عن المثقف هو أنه ذلك الشخص الذي يمتلكحصيلة معرفية من الوعي والفهم وسعة الاطلاع؛المكتسبة جراء قراءته للكتب الأدبية، أو العلمية، سواءكانت عن دافع الهواية أو الدراسة العلمية.
ولتوضيح ذلك الالتباس الحاصل؛ لا بد من التعرفعن كثب على مصطلح الثقافة أولاً؛ فثمة إجماع علىأن مصطلح الثقافة، يشير إلى المعتقدات،والإجراءات، والمعارف، التي يتمّ تداولها وتقبلها بينأفراد المجتمع الواحد، ويكون لها تأثير قوي علىأفراد ذلك المجتمع وعلى أنماط سلوكهم، وتميزهم عنالمجتمعات الأخرى، والثقافة ظاهرة اجتماعيّة،وليست ظاهرة فردية، أي أنّها تحتاج إلى تقبلالمجتمع لها، وإلا فإنها ستحسب على كونها منالسلوكيات المنحرفة والشاذة في ذلك المجتمع.
وبسبب نزوع الفرد للحفاظ على هويته الثقافية، فإنالموروث الثقافي ينتقل عبر الأجيال من الآباء إلىالأبناء. وأية صفة يتّصف بها الإنسان، لا بد وأنيكون مصدرها، الموروث الاجتماعي من أفكارومعلومات وخبرات.
المجتمعات المنغلقة على نفسها تستطيع توريثثقافتها عبر الأجيال بنسختها الأصلية؛ أماالمجتمعات المنفتحة، فإن موروثها الثقافي يتبدلبصورة مضطردة مع درجة انفتاحها على المجتمعاتالأخرى، ويطرأ على الأنماط السائدة من الموروثالثقافي بعض التغيرات مع مرور الزمن؛ وتعد اللغةوالدين ركيزتان أساسيتان تساهمان في المحافظةعلى الموروث الثقافي؛ فاللغة قيمة عليا في المجتمع،ومتجذرة بالجمال والذوق العام داخل أيّ ثقافة، منموسيقى، وأدب، وغناء، وفن، ورقص.
أما الدين، فهو الركيزة الأساسية التي تحدد ثقافةالمجتمعات وسلوك الأفراد وتصرفاتهم.
ومن هنا يمكننا أن نضع توصيفا للمثقف؛ بأنهالشخص الذي يستطيع أن يستثمر الوعي والأفكاروسعة الاطلاع التي يمتلكها، إلى عمل ميدانيللارتقاء بالمجتمع ليصمد أمام التيارات الثقافيةالسلبية التي تطرأ على المجتمع بسبب ظروفخارجية أو داخلية.
إن ثقافة مجتمعنا اليوم تتعرض إلى انتكاسة كبيرةوترد في جميع مفاصلها، وذلك بسبب الوضعالسياسي المضطرب، الذي نتج بعد الغزو الأمريكيللعراق، والتي فشلت فيه حكومات المحاصصةالطائفية في ضبط وإدارة الأزمات التي عصفت فيالمجتمع، فثمة تراجع كبير في الوعي، والفن،والزراعة، والصناعة، والتجارة، وتجفيف الأهوار،وضعف الخطاب التنويري الحقيقي، مما ترك العنانللأدب غير الرصين، والسلوكيات المنحرفة سواء تلكالتي تسوقها الثقافة الغربية لتضرب موروثناالثقافي، في الصميم ؛ ولا سيما مع انتشار مواقعالتواصل الاجتماعي، التي لا نشك في أن الدوافعمن وراء معظمها ؛ من أنها موجهة وغير بريئة فياستهداف المثل والقيم العليا في موروثنا الثقافي؛كما تسبب غياب وانحسار سلطة الدولة إلى تمددثقافة الأرياف نحو المدينة، مما تسبب بالحاق الضرربالقيم الثقافية السائدة وخلق أنماط ثقافية غيرموائمة.
أن المثقف هو ضمير المجتمع، وصوته، وعلى عاتقهتقع مسؤولية كبيرة في التصدي لكل تلك السلبيات،والدفاع عن القيم والمثل العليا في المجتمع وهو رافعراية التنوير للوصول إلى إنشاء نظام سياسيواجتماعي يتناسب مع التحديات الراهنة، وتنقية كلالدرنات الطارئة والدخيلة على هويتنا الثقافية؛ ولأجل ذلك انبرى مؤتمر القمة الثقافي العراقي للعب دور كبير في هذا المجال، ولا سيما في قمته المنعقدة عام 2011 التي تقرر فيها على اعتبار يوم 25 من تشرين الثاني، يوماً للمثقف العراقي.
لقد حقق المؤتمر ومنذ يوم انطلاقه؛ نشاطات مثمرة رافقت فعالياته طيلة تلك السنوات ، والتي ينبغي تعضيدها من قبل مؤسسات حكومية رصينة،لتساهم في نشر الوعي الثقافي بشكل أوسع؛ كما وينبغي على الحكومة أن يكون لها دور رقابي لردعالانفلات الذي يضرب منصات التواصل الاجتماعيووضع القيود على النشر الخادش للحياء( مثلماتفعل مصر حاليا)، وكذلك بناء عقيدة ثقافية هادفة،من خلال اختيار مناهج دراسية من شأنها، الحفاظعلى موروثنا الثقافي الأصيل من الضياع؛ وفي الختام نبارك ونهنئ جميع المثقفين بمناسبة يوم المثقف العراقي.