*فاطمة قاسم شمس
سقطت آخر أوراق التوت التي زرعتها الوزيرة البحرينية السابقة والكاتبة “الشيخة مي بنت محمد بن ابراهيم آل خليفة ” في العمل الحكومي البحريني ، قبل أن ينتهي مشوارها رسمياً في عهد حكومة ” الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة” ،عن عمر مهني يناهز عشرين عاماً ،ما فتح المجال أمام مزيد من التكهنات حوّل الدوافع الحكومية والرغبة بإستبعادها أو الخلاص منها..
تعتبر “ الشيخة مي“ شخصية خليجية وعربية بإمتياز ، وصلت الى العالمية، تلقّب بالدومينو في ميدان عملها ،تحمل صفات القّوة والمشاكسة ،فذّة متمردة وعاصية للأوامر كحالة شاذة داخل العائلة الحاكمة ، لم تخضع لإرادة رئيس أو وزير إبَّان عملها في وزارة الإعلام ، تحدّت نواباً تحت قبة البرلمان، صفات منحت خصومها وذوي القربى فرّصة للنيل منها، والتخلص من شخصّية لا تلائم المسار الحكومي الجديد الذي يتطلع إليه رئيس الوزراء وسعيه للتحكم بمفاصل الدولة ، ما استوجب إصدار قرار على شكل مرسوم ملكي أصدره الملك حمد بن عيسى آل خليفة في ١٩ يوليو يقضي بتنحيتها وعزلها من منصبها في رئاسة هيئة البحرين للثقافة والآثار التي عينّت فيها عام 2015 .
سبع سنوات من العمل في الهيئة انتهت بحفل وداع مؤثر و عفوي لموظفين تركت الشيخة الأثر الجميل في نفوسهم كما بدا في آخر لحظات وجودها معهم متسائلين عن سبب ترحيل لا إجابة عنه بعد .
لم يفصح المرسوم الملكي عن أسباب إقالة ” الشيخة ” التي اتخذت بدورها حالة الصّمت ، حتى المقربين منها عجزوا عن معرفة السبب الذي بقي حبيس القصر وكأنه سر من أسرار العائلة الحاكمة .
لكن توقيت التنحي مع ما سرّبه الإعلام العبري عن رفض الشيخة مصافحة السفير الإسرائيلي لدى المنامة ” إيتان نائيه “خلال مراسم دفن والد السفير الأمريكي في المنامة يوم 17 يونيو المنصرم ما أثار تساؤلات عدة حول مدى حقيقة الحادثة أو هي محض خيال إسرائيلي برعاية بحرينية رسمية.
اللافت في الأمر عدم نفي الشيخة للأمر رغم ما أحدثه من ضجة وحملات تضامن تجاوز حدود البلاد ،بحيث استثمرتها جهات عدة في قضية التطبيع الرسمي مع الكيان الإسرائيلي .
لم يسجل للشيخة مواقف واضحة عن رؤيتها تجاه تطبيع العائلة الحاكمة مع اسرائيل سوى تغريدة واحدة تضامنية مع فلسطين العام المنصرم وذلك بعد أشهر قليلة من إبرام الحكومة اتفاقية أبراهام في واشنطن قالت فيها :” يأتي العيد وفلسطين الألم المستدام بأعماق القلب ، فهل يصحو ضمير العالم؟ “.
من قصدت الشيخة آنذاك بكلماتها ؟ هل الحكومة البحرينية التي عقدت اتفاقيات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وغرست خنجراً في خاصرة القضية الفلسطينية ؟
فعلام يبدو أن التطبيع عدّل من بوصلة توجيهات رئيس الحكومة الشاب، الذي وضع السياحة التطبيعية على خريطة المرحلة المقبلة وفي سلّم جدول أعمال حكومته كبند رئيسي ، انسجاماً مع ما تقتضيه الفترة الراهنة والمصلحة في فترة التقارب مع إسرائيل و تشريع البلاد أمام السياح الإسرائيليين للتوافد من فلسطين المحتلة وكل العالم إلى المملكة الصغيرة تحت غطاء السياحة..
الواضح أن تزامن الإقالة مع تبدل الرؤى الحكومية ليس صدفة ، إذ إن الأولوية للسياحة وإقامة المهرجانات والحفلات وليس للثقافة والمتاحف وترميم المعالم والآثار والكتب ، الأمر الذي يتطلب شخصية مختلفة ذات ثقة ومرضي عنها من قبل العائلة الحاكمة و تؤدي دور السلام المزعوم من بوابة هيئة البحرين بحلتها الجديدة، وهذا مايتعارض مع شخصية “الشيخة” المتمردة، التي لو رخضت ونفذت الأوامر العليا دون اعتراض أو صافحت فعلاً وطبّلت للتطبيع لتبدلت أحوالها رأساً على عقب، و رضي الحاكم عنها وأغدق عليها المناصب .
*صحفية وإعلامية لبنانية
(Visited 71 times, 1 visits today)