حسين فوزي
بات مؤكداً بشكل قاطع، بالإضافة إلى شهادة الـ”فيغارو” الفرنسية اليمينية في عددها الصادر الأحد 9/1/2023، أن أزمة الدولار المتصاعدة عندنا، سببها الضوابط الأميركية لمنع تسلل أرصدة الدولار من العراق عبر منافذ خليجية وحدودية مباشرة إلى إيران، ذلك من خلال خفض تدفق الدولار إلى البنك المركزي العراقي بنسبة تقارب 25%، وتدقيق مطول للعديد من الحوالات المصرفية من ناحية ثانية، في المنصة الجديدة لحركة الدولار.
إلى جانب ثالثاً، تحفظ الإدارة الأميركية على ما تعده “تعاطف ملحوظ من قبل حكومة السيد السوداني مع إيران، على عكس ما كان عليه الحال زمن حكومة السيد الكاظمي..”، وهي تقلص حجم تدفق الدولار ضمن سياسة ضغط مبطنة على الحكومة العراقية الحالية، الذي قالت بشأنه فيغارو “إن الضغط الأميركي يفسره حقيقة أنه مع ارتفاع أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيسي لبغداد؛ أصبحت لدى العراق احتياطيات مالية كبيرة تنوي واشنطن مراقبة توزيعها، لاسيما أن رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، الذي قد ينظر إليه بمثابة همزة الوصل بين الجماعات السياسية أو شبه العسكرية التي لها علاقات متينة مع إيران.” وهو توصيف لم تأت به الصحيفة من بنات أفكارها، بل المرجح أنه مسرب عن قصد من قبل الإدارة الأميركية بقصد “طرقه” أسماع السلطات العراقية النافذة.
وعليه فأن المواطن العراقي يعاني حالياً من ارتفاع كبير في سعر المواد الضرورية، يتخطى حتى نسبة معدل زيادة سعر الدولار في السوق الموازية خارج أسعار البنك المركزي، وهذا يعني أن المضاربة لم تعد في سعر الدولار وحده من قبل فئة من تجار العملة، بل صار التجار الآخرون يضاربون برفع أسعار سلعهم، ضمنها أسعار المواد الغذائية الضرورية، وبقية السلع تصل أحياً إلى نسبة لا تقل عن 100%، بذريعة أنهم يستوردون بالدولار الذي ما زال يتصاعد سعره، وهم يتحسبون للمستقبل للحفاظ على رؤوس أموالهم.
ومثل هذه الحالة لا تقف عند مسؤولية البنك المركزي في معالجة مشكلة الدولار، لأنها في الأصل قضية سياسية مرتبطة بطبيعة علاقة العراق بطرفي التجاذب واشنطن وطهران، فمن جهة من حق العراق، وواجبه أيضا ضمن رؤية صحيحة لتخطي كل ما شاب العلاقات الثنائية سابقاً، الحرص على علاقة حسن جوار ومصالح متبادلة مع الجيران عموماً، والجارتان الكبريان تركيا وإيران خصوصاً، بجانب التمسك بثوابت الانتماء العربي، وتصفية كل الإشكالات مع العرب التي ترتبت على غزو الكويت من جهة أخرى، ولعل حرص العراق على إقامة دورة الخليج العربي في البصرة، هي جزء يسير من الحرص العراقي على التمسك بهويته العربية. مع أن إيران لم تفوت الدورة دون الاحتجاج على العراق على تسميتها، مع أنها لم تحتج على التسمية طيلة الدورات السابقة، لكنها شديدة الحساسية حين يتبنى العراق التسمية القومية العربية، التي كانت بعضها من توجهه تاريخياً منذ قيام مملكة العراق الهاشمية عام 1921.
إن الحرص على العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مسألة ضرورية، وتشكل ركناً من أركان الأمن الوطني العراقي، بجاني أركان العلاقة الطيبة مع تركيا، والحرص بشدة على تجاوز أية خلافات مع الأشقاء العرب عموماً، والجوار العربي خصوصاً. مع أن ضلعي مخمس الجوار الإيراني التركي، تشكل ضغطاً كبيراً على العراق بشأن منابع المياه من جهة، وحجم تدفق الدولار “العراقي” بكثافة إلى إيران من جهة أخرى، وبصيغ تتجاوز حجم التبادل الثنائي القائم بين البلدين.
فمن أجل وقف “دوامة” ارتفاع سعر الدولار الذي يراوح حالياً عند 159 ألف دينار لكل 100 دولار، دفاعاً عن مصلحة المواطنين من ذوي الدخل المحدود وبقية شرائح المجتمع المعتمدة على موارد تجعلها دون خط الفقر، وهي بنسبة تزيد على 31% من المواطنين العراقيين، بالأخص في محافظات المثنى والقادسية وذي قار والبصرة، عدم الاكتفاء بالإجراءات التي ينفذها البنك المركزي لاستعادة بعض من قيمة الدينار التي انتهكها تهريب مليارات الدولارات إلى إيران، من خلال الالتزام الواضح بضوابط المنصة الجديدة لحركة الدولار إلى الخارج من جهة، وتحري سبل جادة تحد من غلواء الدولار وتعاليه على المواطنين من ذوي الدخل المحدود، ليس من خلال صرف الدولار للمسافرين ببطاقة سفر غير قابلة للاسترجاع فقط، إنما ضرورة توفير رصيد دولاري محدود لكل مواطن من الموظفين، قابل للسحب ضمن راتبه أو تراكمه للإفادة منه عند السفر إلى الخارج أو أية أغراض يحتاج فيها للدولار من جهة أخرى، مع توفير تسهيلات حقيقية سريعة تضمن حق المرضى في مبالغ إضافية عند السفر للعلاج.
إن تحميل البنك المركزي وحده مسؤولية الأزمة الراهنة تجاهل لحقيقة دور بعض إطرافنا العراقية في الحرص على مصلحة إيران أكثر من مصلحة الشعب العراقي، وهذا موقف مخالف لسياسة وطنية مسؤولة، تتبنى الحرص الحقيقي على أحسن العلاقات مع إيران، من خلال تشخيص طبيعة العلاقات الثنائية الخاصة بين البلدين والشعبين، لكن دون أن تكون على مصلحة الموطن العراقي في موارده والسيادة الوطنية في جرفه المائي الحدودي وبقية ترسيم الحدود وفق الاتفاقات المبرمة بين الطرفين.
التجاذب الأميركي الإيراني وسيولتنا الدولارية وسيادتنا
(Visited 7 times, 1 visits today)