حسين فوزي
أبو نجاح، هكذا عرفته وأنا يافع مسؤولاً لإتحاد طلبة العراق في البصرة، ثم التقيته عندما كانت اجتماعات قيادة الحزب الشيوعي في البصرة تعقد في بيتنا، حيث بات أياما، وزارته أكثر من مرة زوجته الأولى الراحلة السيدة سميرة محمود ناقلة البريد الحزبي، وهي أخت المناضل شاكر محمود عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الذي اغتيل في وقت مبكر بعد انقلاب 1968.
كثر لا يعرفون كنيته الأولى أبو نجاح، فهم يعرفونه باسم بنته الكبرى تميمة، علمني الكثير، وفي المقدمة الحرص على القراءة، كان ضليعاً في فهم الاقتصاد السياسي، وكان يدرس الاقتصاد السياسي في سجن الحلة، ولن انسي حزنه عندما أعلن عن استشهاد المناضل جمال الحيدري، عندما كنا في قاعة معتقل نادي الاتحاد الرياضي بالبصرة، قال “أنه نص الحزب”، بعد أن عذب وقتل الحرس القومي قبله أمين سر الحزب الشهيد سلام عادل.
في معتقل الاتحاد الرياضي حاولوا اغتياله من خلال التظاهر بـ”انطلاق رصاصة بالخطأ استهدفته عمداً”، لكنها أخطأت الهدف،
لن أنسى كيف تعرض لمغص كلوي حاد بعد محاولة اغتياله، تركوه يعاني دون نقله للمستشفى للعلاج، ليعاني من آلام تفوق طاقة الإنسان، وتحمل، كما تحمل الكثير من التعذيب قبلها دون أن يسلم مطابع الحزب في الجنوب للحرس القومي.
وحين حاولت الأمن العامة تزييف الحزب الشيوعي بإقامة منظمة صورية في أيلول 1963 على طريقة السافاك الشاهنشاهي، وجيء بمؤسسها القيادي المزعوم، تصدى له أبو نجاح ليؤدبه لتجاوزه على تنظيمات الحزب ومحاولته تضليل الجماهير، وقد لجأ الحرس القومي، بالأخص جبران المسموم إلى اعتداء وحشي على أبو نجاح لأنه لقن وكيل الأمن درساً دفعه للتخلي عن مشروعة الإجرامي.
جاسم المطير أحترمه الجميع، وكان صديقه المقرب في سجن الحلة بعد مجيئهم من نقرة السلمان المناضل الشاعر الكبير مظفر النواب، وكانا على موعد لكسر قيود السجن في عملية الهروب يوم 7/11/1967، هربا سوية والتحقا بمناضلي كردستان. كما كان من صحبه المقربين قبل 8 شباط وبعدها همام المراني وسامي احمد ونصيف الحجاج، ولن انسي هذه اللحظة “أم جاسم” السيدة الرائعة التي كانت تنقل البريد الحزبي له مرات عديدة، وكيف كانت تتحدث بثقة عن يوم قريب تنتصر فيه إرادة الجماهير في الحرية والمساواة بعبارات بسيطة لكنه تكسب المستمع.
استطاع في أوائل سبعينات القرن الماضي، بقدراته الفكرية وقيمه النضالية، أن يكسب الروائي الكبير عبد الرحمن منيف القيادي البعثي صديقاً، الذي تولى رئاسة مجلة تعنى بالنفط والشؤون الاقتصادية، واعتمده لاحترامه ثقافة المطير الماركسية، في كتابة المواضيع وتحرير ما يصل للمجلة، إلى أن قرر منيف مغادرة العراق، لتجاوز النظام الحاكم قيم التحالف الوطني وطموحات الشعب في بناء دولة ديمقراطية تقدمية وليس دولة عائلة تخطت كل القوانين وفي مقدمتها المفاهيم الدستورية لحدود السلطة.
رحل المطير وهو مقيم في مصحح في هولندا، لكن جمع من المريدين المؤمنين بقيم الاشتراكية الديمقراطية لازموه حتى اللحظة الأخيرة…
وداعاً أيها المعلم الكبير زارع الأمل في يوم يتحرر فيه الكادحون من العوز ويتوفر الخبز والسكن والتعليم والرعاية الطبية لجميع المواطنين…فلقد “نجحت” في تنشئة اجيال من المؤمنين ببناء “وطن حر وشعب سعيد” رغم كل المحن والآلام التي عانيتها ويعانيها رفاقك وتلاميذك من الأجيال الفتية.