ما بعد أربعينية سيدنا الإمام
———–
حسين فوزي
أدت حكمة تحريم النشاطات الخلافية التي دعا لها سماحة السيد مقتدى الصدر إلى الحفاظ على حرمة شهر محرم الحرام، كما فسحت المجال أمام اتصالات واسعة، للحفاظ على التهدئة التي ابتدأها السيد مقتدى وتعميقها، بالبحث عن حلول تستقطب كل الأطراف، في محصلة إيجابية.
وفي هذا السياق، وكما تداولته وسائل متعددة، فأن الأطراف الكردستانية اتجهت نحو د. لطيف رشيد مرشحاً لرئاسة الدولة، وهي خطوة، كنت منذ البداية قد تحدثت بشأنها، في موضوع نشرته بعنوان “لطيف رشيد هو الحل”. ويمكن لهذه الخطوة أن تنتزع عائقاً من العوائق الرئيسة بشأن التقدم نحو استكمال مؤسسات الدولة الدستورية، فبدون رئيس منتخب لا يمكن القفز نحو تشكيل حكومة، سواء أكانت حكومة كاملة الصلاحيات لسنوات أربع، أو حكومة انتقالية تمهد لإجراء انتخابات جديدة، بعد أن فشلت القوى السياسية في الاتفاق على مرشح أغلبية، أو مرشح توافق، وهو ما يرفضه السيد ومعه القوى المدنية الديمقراطية وجمع من التشرينيين وبعض الكرد.
الدولة في كل الأحوال بحاجة إلى رئيس يحمي الدستور ويسعى للتقريب بين الأطراف السياسية لضمان محصلة تحقق مساراً بناء لحماية المنجزات والبناء عليها في مسار يلبي طموحات انتفاضة تشرين والصدريين وبقية القوى المطالبة بالإصلاح والتغيير. ومن هذا المنطلق يمكن البناء على الموقف الكردستاني المستجد ورئاسة د. لطيف رشيد المرتقبة.
وفي هذا الخصوص، وكي لا يبدو أن الاتفاق على تولي د. لطيف رشيد رئاسة الدولة مناورة في مواجهة التيار الصدري وبقية قوى التغيير، فأنني أدعو من هذا المنبر السيد لطيف رشيد، الذي عرف عنه قربه الوثيق من نهج الرئيس الراحل جلال طالباني، في تقريب كل الأطراف باتجاه تجنيب الساحة السياسية المزيد من التوترات، إلى توضيح موقفه من القضايا الأساسية، وفي مقدمتها قبل كل شيء كيفية حشد كل الأطراف للإصلاح وضمان درجة عالية من الشفافية، في معالجة ملف الفساد وضمان تسييد قيم المواطنة والكفاءة في تكليف الدرجات الخاصة، بدءاً من الوزراء وحتى المدراء العامين، بجانب ضرورة تعجيل مراجعة عاجلة لسلم الرواتب، وتقليص الهوة “السحيقة” بين رواتب الدرجات الخاصة وامتيازاتها وبقية عباد الله من الموظفين، وتنشيط عمل الرقابة المالية وقوانينها لوقف الفساد ومساءلة كل من أساء التصرف بالمال العام وإدارة الدولة سواء بقصد أو لعدم الكفاءة.
إن مثل هذه الخطوة تجعل ترشيح د. رشيد جزءاً من الحل وليس جزءاً من مواجهة قد يتصورها البعض لتخطي التيار الصدري والتشرينيين وبقية القوى المطالبة بالإصلاح، بغض النظر عن تفاصيل أهداف كل من هذه الأطراف.
كما قد يكون من المناسب لكل الأطراف المساندة للاتفاق الكردستاني، ضمنها مكونات الإطار، الحرص على التواصل العلني الشفاف مع التيار الصدري بشأن مرشح رئاسة مجلس الوزراء، ولن يكون انتقاصاً للسيد محمد شياع السوداني، أو د. حيدر العبادي، التواصل الشخصي العلني مع السيد المقتدى، في الدعوة إلى منهاج عمل حكومي مشفوع ببرنامج عمل محدد زمنياً، كي يكون المرشح لرئاسة الحكومة هو مرشح الأغلبية وليس مرشح التوافق الأعرج الذي جرنا للكوارث.
إن ما يقدم عليه السادة لطيف رشيد وحيدر العبادي ومحمد شياع السوداني وبقية الشخصيات السياسية قد يكون الجسر الذي يخفف الحساسيات ويكون النواة، أو النوية الأقوى، التي تعجل في تعميق التهدئة وفسح المجال لخطوات الإصلاح على طريق التغيير الجدي، بعيداً عن حالة التصعيد والتوتر التي سادت قبل محرم…
ترى هل تكون لدى سياسيينا القدرة على تخطي الجمود والشخصنة والكبرياء البعيد عن مفاهيم العمل السياسي وتغليب المصلحة العامة، وهي الحالة التي استطاع اللبنانيون مراراً تحقيقها، لكن بفضل تدخل إطراف “دفعت” للجميع، فهل نحن قادرون على “دفع” أنفسنا بالحرص على خيراتنا وتوجيهها من أجل مستقبل الأجيال، في عصر تتضاءل فيه تدريجياً مع تقدم التكنولوجيا قيمة النفط في المستقبل المنظور، فيما تشح مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما من تركيا وإيران، ويتعسف التغير المناخي فوق هذا بحرمان العراق من الأمطار…
قد يكون لطيف رشيد الخبير المتمرس في تقنيات المياه والسياسة بداية الحل..وعسى أن يكون في ظل تهدئة السيد مقتدى التي يمكن البناء عليها بمبادرات مسؤولة من بقية الأطراف بداية الإصلاح نحو تغيير حقيقي في عملية سياسية مشوهة ألحقت كل الضرر بمستقبل العراق…عسى !؟