نصير الشيخ
شاعر وناقد عراقي
_ مابين تاريخ ميلاده (1955) في مدينة العمارة،،ورحيله التراجيدي صباح (17/1/1991)..كان ثمة شبح غريب الأطوار يسكن على مقربة من هواجسه،انه الفنان التشكيلي (أمير عبد الكريم الشيخ)..وبين إكمال دراسته الابتدائية والثانوية،ظهرت قدراته الفنية في الرسم،فكان شغوفا برسم شخصيات ممثلي السينما وابطال الأساطير..ومن ثم الانهماك في الدرس الأكاديمي منتصف السبعينيات من القرن الماضي/أكاديمية الفنون الجميلة/فرع الرسم..حيث بروز الأثر الفني واستكمال نضج التجربة برمتها،ومحاولة الفهم العميق للفن كأسلوب تعبيري لاينفتح الآ لفضاءاته الجمالية..التحديق لقراءة عناصر التكوين الفني للوحة،وانكباب فكري على تتبع نظريات الفن الحديث وتياراته….كان يواكب هذا النشوء فهم خاص للحياة..!!
كانت التجربة الأولى بمواجهة الجمهور في مدينة العمارة،المعرض الشخصي الأول ــ قاعة المكتبة المركزية العامة،صيف 1978..جناح يضم اعماله يقابله جناح اخريضم لوحات الفنان الراحل (حميد نعيم سادة)..شكل هذا المعرض في حينها انعطافة مؤثرة على مستوى الذائقة الجمالية التي قدمتها اللوحات الزيتية..
جاكوبسن يقول..(ان الرسام المجدد مطالب بأن يرى في الشئ مالم يكن قد شوهد فيه من قبل وعليه ان يفرض رؤية شكل جديد واذ ذاك يقدم الشئ بواسطة اختزال غير اعتيادي)..حال تخرجه من اكاديمية الفنون الجميلة/بغداد 1980،دخل معترك الوظيفة مدرسا لمادة الرسم،كان خلالها مواظبا على التجديد في عملية التشكيل الفني مضمنا لوحته مضامين انسانية بالغة التأثير متلونة بمعانٍ جديدة شكلت فيما بعد حسه الحقيقي بتعميق مفهوم الفن بإيصال رسالته.الهم الإنساني/ هذا القلق الوجودي الذي تأصل في الذات حتى غدت متمردة..الحروب،الفجائع،الخيبات،،ثيم عالية الدلالة،عميقة المعنى،جاءت بصياغات اسلوبية اخذت من (التعبيرية) تفردها المعلن،ومن مساحات الظل والضوء مكمنا يشي بنوازع الذات المضطربة،من هنا كانت الوانه تشتد قتامة كلما دخلنا منظور اللوحة.
يختزل الدكتور عاصم عبد الأمير مسيرة انخطاف حياة امير الشيخ بالقول..((كان الراحل مهووسا بالرسم،والرغبة في امساك خيوط اللعبة الغامضة فيه..كي يعلن عن نفسه مبدعاً او رساما مجيدا..غير ان ثقل الأيام وشراستها سرعان ماتنقض عليه وهو في سعيه المحموم هذا،وتدفعه بعيدا،ويحاول..الى ان ساقه الزمن الغادر بعيدا عنا..غير انه لم يهجرنا وحيدا..لقد كان هذه المرة هو والحلم معا..في ملاحقة لماانتجه الفنان الراحل امير الشيخ،وهي اعمال تتأرجح بين التعبيرية والتشخيصية احيانا،نستطيع ان نقف على مشهد الذعر والإحساس بالخوف وربما أزيد الإحساس بالموت!!فكان في حياته كما في اعماله يكشف عن مقاومة عنيدة لكل الشرور التي تتأسس في مخيلته،والغريب انه كان ينتصر في النهاية)).
اشتغالاته الفنية
ـــ تحضر التشخيصية في اعمال أمير الشيخ كقوة طاغية في رسم الحيوات والشخوص، مؤكدة براعتها في إتمام العمل الفني، مستقرأً عبر فرشاته والوانه دواخل الشخصية المرسومة، ممسكاً اقطاب الشد والجذب فيها وهي المسافة بين الذات والآخر، مشتغلاً على جدلية الظل والضوء كاستكمال شكلي يحيط لوحته، ويضئ مضامين مو ضوعته، لنجد التحدي الأكبر في رسمه لنفسهِ ((ذاته))وهو بمواجهة المرآة، ومديات انعكاس الذات الذي تحول الى ((اخر)) على ((أنا)) الفنان وهو في مواجهة حاسمة،مواجهة الرد على اسئلة ((الآخر))التي هي اسئلة الوجود والتي يكون الفن فضاؤها المتجدد لأقتران رسالتهِ بعوالم أفضل،، الفنان بمواجهة المرآة برداءه الأحمر القاني، وتعابيروجههِ وشعره الأسود ولمعة عينيهِ وهي تستغورالمدى البعيد الذي سيفتح لنا كتابا منسيا نقرأ بين سطوره، ان اللون الأحمر سيقفز من باليتة الألوان ليتسلق نقاوة رداء الفنان في اللوحة، ليمتزجا كليةً في مشهد تراجيدي مع دمه القاني على بلاط شارعٍ محاذٍ لمكتبةٍ عامةٍ،وكأن بالصاروخ القادم نحوه من قوى التحالف صباح 17.1.1991، كان موجها لقتل البراءة والمعرفة على حد سواء. لتستكمل اللوحة عناصرها الفنية والوجودية، لترتقي ذات الفنان من واقعية مأهولة بالعيش والحلم، الى اندماج كلي وحلولٍ في المطلق عبر فناء الموت،،ذلك المركب الذي اختطف روح الفنان للعبوربه نحو ظلمات ((نهر هاديس))…القاص البصري الكبير(محمد خضير) يرفق ذكرى ذلك المشهد التراجيدي عبر تضمينه ماياتي ((برحيله يرسم العالم بالخط الأحمر دائرة على كل قيمة جماليةٍ،وسيظل العالم يرسفُ بنزيفهِ دون رسامٍ يعيد تشكيل الطبيعةِ ورسم الغدِ الأخضر)).
ــــ فيما تظل التعبيرية في اعمال الفنان امير الشيخ اسلوب اشتغال اختاره ومنذ نضوج تجربتهِ، لصبِ اكثر طاقة وزخم رؤيوي للتعبير عن عوالمهِ وبما يتناسب مع هواجسهِ ومن ثم الوقوف امام مايتراءى له، وماشهدهُ من مأساوية اجواء الحرب الضروس في ثمانينيات القرن الماضي،،من هنا كانت لوحته ((الصرخة)) هي التجسيد الفعلي لعوالم الحرب وبشاعتها،حيث الإنسان وبكل ماأوتي يستجمع ماتبقى له من ضمير حي ليصرخ بوجه مشعلي الحرائق والحروب، وهو يشق دكنةً رمادية شكلت خلفية اللوحة، ليجعلنا نتساءل عن هذا(الإنسان الصارخ)من….وبوجه من..؟؟
حفرياتنا الجمالية تدلنا الى إمساك القاسم المشترك بين (الإنسان الصارخ)و(وجه الفنان نفسه)… ليوجه للعالم ادانته على كل ماحصلَ وسيحصل…ليكتمل المشهد المرآوي بأنكسارالقمر الأبيض والذي يشي بدلالالته الكثيرة.
قرائتنا هذه، رافقت الفنان وسبر عوالم لوحاتهِ، للتدليل على ماتوافرلنا من هذه الأعمال (تخطيطات بالقلم الرصاص، مائية، لوحات زيتية)… فهو كان في حياته من الطيبة يهدي الكثير من اشتغالاته ولوحاته الزيتية تحديدا والتي يعكف على رسمها فترات طوال لأصدقائه ومحبيه وطلبتهِ، او ربما ضاع عدد من تلك الأعمال في احدى الكاليرات في بغداد او اروقة الجامعة التي دَرَسَ فيها في مدينة العمارة.
*مشاركاته في المعارض عديدة ومتميزة،وأول جائزة حصل عليها عن مشاركته في معرض البوسترمنتصف السبعينيات،وموضوعتها (محو الأمية)،وكذلك جائزة تقديرية من مركز الفنون/بغداد عن لوحته(الشهيد)..كان له حضور فاعل ومتميز في المعارض الجماعية التي تقيمها نقابة الفنانين داخل المحافظة وخارجها.
*ترك أعمالا فنية(لوحات زيت،تخطيطات،مائية)وهي من ممتلكات العائلة الشخصية،وتشكل معرض دائم.
*أسس مع مجموعة طيبة من الفنانين التشكيليين في العمارة(منتدى الفنانين التشكيليين الشباب)والذي انبثق 1984م،وضم فنانين لهم حضورهم البارز في الحركة الفنية الآن.
*كان أسلوبه الفني بعد تخرجه من الدرس الأكاديمي هو(التشخيصية)،كان مهووسا برسم (البورتريت)و(الموديل)ومعظم لوحاته المتبقية تبرز هذا الجانب من الاشتغال،ذلك لتأثره الواضح بشيخ الرسامين العراقيين(فائق حسن)،في رسم الخيول والضوء والظل،ثم تحول إلى(التعبيرية)للنضج الكبير في أفكاره وثقافته،وتبنيه للأسلوب الحديث في الرسم المعاصر،للتعبير عن الأسنان وقضاياه.
*المواد التي استخدمها في تجربته العملية لإنجاز لوحاته هي(الزيت،الرسم بالسكين على قماشة الكانفس،وكان قلم الرصاص لايفارقه إذ أنجز عشرات التخطيطات به).
((مقتطفات من حوار اجرته معه مجلة فنون/ع ــ61 في 29 ت1 1979)).
*(اللوحة حقل تجارب يكشف من خلالها الفنان أشياء جديدة من ناحية العلاقات اللونية،تحديد الظل والضوء،ومدى تأثير الجو المحيط بالموديل ويظهر ذلك جليا في رسم الموديل).
*(هناك مسألة جوهرية هي الربط بين الشكل والموضوع ومدى التكافؤ بينهما،فأكثر الموضوعات التي أتناولها هي الموضوعات الواقعية مثل الريف والأعراب وحركة الناس في الأسواق الخ..)
*(أما من ناحية الاتجاه فمن المعروف إن لكل فنان محاولاته الخاصة وفي هذه المحاولات تنمو التجربة شيئا فآخر داخل ذاته في العملية الفنية..وقد ركزت على قضية التعبير في لوحتي((من اجل الحرية))والتي عبرت عن صراع الإنسان مع الحواجز التي تقف أمام تطلعاته مراعيا استخدام علاقات الانسجام بين وحدات التعبير البنائية.)
*استشهد أثناء القصف الأمريكي/الأطلسي على مدينة العمارة صباح 17/1/1991م ،قرب المكتبة العامة.
— with نصير الشيخ.