الأرض المحروقة / صاحب خوام

الأرض المحروقة / صاحب خوام

كتب صاحب خوام

~ لقد اتعبتني كثيراً وأخّرتني عن صلاتي
قالها المدير وكان قد طوى كُمّي قميصه الى الاعلى حد منتصف الزند كي يضمن وضوءً صحيحاً لاشكوك فيه عندما يغسل ساعديه وكوعيه، وطوى بنطلونه ونزع جورابه ولبس نعال الاسفنج ابو الاصبع الذي جلبه من بيته ووضعه تحت مكتبه حرصاً منه على أداء الفروض صحيحة كاملةً في أوقاتها .
~ ولكن ياسيدي أنت ترى حالي، وحق القبلة التي ستتوجه لها الان لاأملك نصفَ ماطلبت..
~ ها أنت تعود لتأخيري ثانيةً، ماذا تقول لربك غداً ..
خرج الرجل الذي رغم ذرّف على الستين ولم تبق شعرة بيضاء واحدة في شعره الكثيف ولحيته النابتة وتغلغل البياض مخترقاً أخاديد أُذنيه، بدا اكبر من عمره بكثير فوجهه خارطة عميقة الخطوط تحكي تأريخ قهر وعوز وحروب طويلة، كان كثيراً مايردد أن عمره انتهى منذ زمن طويل وهذا الذي هو فيه الان فسحة اضافية، فالناجون ممن مرّ بظروفه قلّة وربما عدم ، خرجَ طاوياً اوراقه بكف يمينه، ناداه موظف الاستعلامات كي يستلم جهازه الجوّال الذي يبدوا انه قد نسيه تحت تأثير الصداع الذي اصابه بسبب ماجرى من حديث مع المدير ، كان المدير الملتحي الحالي بلحية صغيرة ولكنها شرعية كسلفه غير الملتحي دقيقاً حريصاً على اسرار الدولة فلا يسمح بدخول الجوال خشية تسجيل فديو او صوت او التقاط صورة ..
في الشارع وقبل ان يصل الى الساحة الرئيسية التي تجمّلها نوافير المياه وصور الزعماء الكبيرة لحقه أحد الموظفين استوقفه وحدّثه :
~ مديرنا طيب جداً ، رجل تقي يعرف الله ويسعى لخدمة الناس ولكنه تحت ضغط شديد، هل تدري بكم اشترى منصبه هذا ؟ لابد أن يسدد ، لقد حدّثته بشأنك ووافق على ان يقسم المبلغ بالنصف ، هذا كرم كبير منه لم يفعله سابقاً مع احد حتى اقرب المقربين لديه ..
لم يكن الجو عاصفاً ولكن السماء كانت صفراء داكنة تنث غباراً احمر يفرش الارض ويسيل على زجاج السيارات فتدفعه الماسحات كماء المطر ، حين وصل بيته كان مطلياً وأوراق معاملته بلون كل الأشياء حوله أحمر مصفر غمغم مع نفسه : نعم سلّمها محروقة أرضاً وبشر ..

(Visited 78 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *