صائب غازي
الفنانون العراقيون يسمعون صوت لهيب التنافس المحموم الذي يجريعلى قدم وساق في عملية الاقتراع لاختيار ممثلين عنهم في مقرات وفروع نقابة الفنانين العراقيين وبكافة التخصصات ومنها منصب النقيب الذي شغله في الدورة المنتهية الدكتور جبار جودي وينافسه مرشحان آخران هما الفنان محمود أبو العباس والفنان الدكتور رياض شهيد وكل منهم شكل قائمته التي ضمت عدد من الأسماء الفنية والأكاديمية المتميزة وقد حملت القوائم عناوين عبرت عما يرونه فالفنان محمود أبو العباس اطلق على قائمته أسم (المحبة) وقائمة د.جبار جاءت تحت عنوان (تجديد الثقة) وقائمة د.رياض اسماها (نعم للتغيير)
تأملت قليلا في هذا المشهد الديمقراطي الجميل والتنافس الحقيقي المفعم والنابض بالحياة وتساءلت عما اذا كانت تستحق النقابة هذا التسابق وهل موقعها القيمي والمكان الدلالي لها بين النقابات ذو اعتبار كبير ؟ هل هو تسابق من أجل خدمة الفن والفنانين أم هو لتحقيق مكاسب شخصية ؟
نقابة الفنانين قضت وطرا من التعثر وتعرضت لاتهامات عدة بعضها صحيح و واقعي ففي مرحلة الثمانينات والتسعينات كانت النقابة واحدة من حلقات الارتباط الوثيق بالسلطة حالها حال بقية النقابات مجرد أذرع منفذة لأجندات النظام الشمولي وعنصر مساهم في أدلجة المجتمع ومعايير أختيار النقيب كانت تخضع لمقدار ترضي الحزب الحاكم عنه بل يجب أن يكون هو شخصيا ذو درجة حزبية متقدمة لينال المنصب فلم تحصل النقابات على استقلاليتها إلا بعد عام 2003 ، ولكن نقابة الفنانين للأسف مرت بتعثر من نوع جديد بعد عام 2003 وهو عدم وضوح الرؤية والبرنامج الذي تعمل عليه كما انتسب اليها العديد من الطارئين على الفن وكانت النقابة الى أمد قريب قليلة العطاء مع منجزات محدودة ربما تبلورت بحراك ملحوظ في زمن الدكتور جبار جودي وفريقه حتى المبنى كان شبه خرابة ولا يبعث على الراحة النفسية عند الدخول اليها حتى تغيرت ملامح البناية نحو الأفضل في عهده
ولكن المطلوب اليوم والعراق يمر بمرحلة التحولات الكبيرة والخطيرة والفنانين جزء من هذا البلد أن تكون رؤية النقابة أوضح وأشمل فهل وضع الفنانين المرشحين في برامجهم ما يحقق مكانة حقيقية للفنان في العراق ؟ هل فعلا سوف يكون للفنان مستوى خاص من المكانة ؟ هل ستكون من اولويات برامجهم متابعة الحالات الخاصة للفنانين العاجزين والمتعبين دون اشعارهم بالإذلال فالموضوع يتعدى مجرد اشتراك وتسجيل الفنان ودفع رسوم واصدار بطاقة العضوية وإن كانت الرسوم مهمة لتغطية نفقات النقابة فهي تعتمد في جانب من دخلها على ذلك ولكن الأمر يتعدى ذلك بكثير فنحن نتكلم عن ثقل نخبوي فني تضمه النقابة بين ثناياها وهو العنصر الأهم (الفنان الأنسان)
نحتاج كفنانين الى رؤية جديدة أن تكون النقابة القصبة الهوائية التي يتنفس من خلالها الفنان أن تتفاعل معه وتلبي احتياجاته أن يكون هناك اجتماع دوري مفتوح مع الفنانين تستمع اليهم وتنقل طلباتهم الى الجهات الرسمية اذا تطلب الأمر وأن لا تكتفي بإقامة مهرجان شكلي يستجدي هذا المسؤول أو ذاك لتمويله أو رعايته ، يجب أيضا أن تكون النقابة الملاذ الآمن والقوي في القضايا والمحاكمات التي تتعلق بعمل الفنانين وأن تشعرهم بالسند الحقيقي وتجعل من كل قضية يتعرض خلالها الفنان للأذى من قبل الحكومة أو الجهات الرسمية والمنظمات غير الرسمية قضية رأي عام لا أن تتحول هي الى صوت مساند للحكومة ، أن تعمل على بناء مسرح عملاق خاص بها وليس ترميم مسرح متهالك وأيضا أن يكون لها دار عرض سينمائى وقاعة فنية كبيرة ويمكن استثمار كل ذلك تجاريا وتصبح مصدر تمويل للنقابة حتى من خلال رسوم وضرائب على الشركات الأجنبية التي تنتج في الداخل العراقي مع مراعاة تسهيل الاستثمار في الانتاج التلفزيوني والسينمائي
مطلوب أيضا من النقابة الجديدة أن يكون همها الحرص على أن يعيش الفنان برخاء ورفاهية لا بفقر وفاقة ، وأن يكون للنقابة وجود في المحافل الدولية من خلال تقديم فنانين عراقيين على النقيب نفسه وعلى اعضاء المجلس ايضا وأن يوفد فنانين اخرين بشكل مستمر ممن يستحقون أن يكونوا بمثابة سفراء للفن العراقي وبدعم من النقابة ومجلسها ، كذلك يجب تقنين عملية الانتماء الى النقابة ففي الدول المتطورة فنيا لايتاح لحامل الشهادة في مجال الفن بالانتماء الى النقابة بدون منجز فني يثبته من خلال سيرة ذاتية مرفقة بالأعمال الفنية الحقيقية فالشهادة وحدها لاتكفي وهذا معيار مهم يدفع بالطالب بعد التخرج الى السعي للعمل وإثبات ذاته والدخول معترك العمل وتكوين رصيد يؤهله الدخول الى النقابة فالشهادة لا تكون المنجز الوحيد بل واحدة من المنجزات المؤهلة ، وهنا يقع على عاتق المجلس النقابي الجديد مراجعة ملفات كل الأعضاء وإعادة تنظيمها واستبعاد الطارئين على الفن فالظهور بوسائل التواصل وجمع المتابعين لايمكن أن يكون جواز عبور للنقابة وعدد الجمهور مهما كان ليس معيارا للتقييم ، رأي الجمهور محترم لكن المزاج العام لايحدد صلاحية الفنان من عدمها وإنما السياقات الفنية والقوانين الصحيحة والرائدة هي التي تحدد واذا كانت هناك استثناءات فيجب أن يقيمها المجلس بأمانة ولابأس من الاستئناس بآراء الفنانين الكبار
ربما هي معايير صارمة لكنها الأرضية الحقيقية المناسبة لخلق جيل فني رصين يعمل على دعم المجتمع والنهوض به ثقافيا وفنيا واجتماعيا ، لا نزال نجهل الفائزين بانتخابات النقابة فهي لم تحسم بعد وكتبت هذا المقال في 30/11/2021 أي قبل إعلان النتائج حتى لا يكون كلامنا يخص شخصا دون آخر أو جهة دون أخرى ، نتمنى أن يكون هناك عمل حقيقي كبير و واسع لتجاوز كل الهفوات ونقاط الضعف في العمل النقابي حتى لو تطلب ذلك اعادة النظر في القوانين الداخلية للنقابة و وضع الفنان بشكل عام وأيضا ضرورة الاهتمام بالفنانين العاجزين والمعوزين الذين نذروا عمرهم للفن والذي لم يعد عليهم بمنافع تغنيهم عن الحاجة يجب أن يكون لهم عيشا كريما لا أن نكتفي بباقات ورد وكلمات عاطفية لا تغني ولا تشبع وهم بحاجة الى علاج أو رغيف خبز يجنبهم المواقف الجارحة لإنسانيتهم
هناك أيضا دواعي ملحة أن تلتفت النقابة اليها كرعاية وتوفير فرص عمل فني للشباب تمنحهم ثقة وأملا في المستقبل ، التفتوا أيضا الى الاطفال من أجل صناعة وتهيئة جيل جديد من الفنانين وازرعوا في قلوبهم حب الفن حتى لو دعى ذلك الى التنسيق مع المدارس من خلال وزارة التربية واقامة النشاطات الفنية التي تتبنى مواهب الأطفال ، أيضا من الضرورات المهمة الالتفات ومتابعة المهرجانات الحقيقية وليست الشكلية بل يجب أن لا يقام أي مهرجان بدون إجازة من النقابة ودفع رسوم لإقامته ويكون ممثل النقابة حاضرا ومقيما له أيضا ودراسة شأن إعادة منحه الإجازة لاقامته مرة أخرى مستقبلا أم لا ، كما أدعو الى دراسة تشكيل مركز بحوث وتطوير تابع للنقابة ويكون مركز حقيقي يعتمد على بحوث رصينة للفنانين والأكاديمين
نقابة الفنانين هي الجهة الوحيدة التي تمثل الفنان العراقي وتقع على عاتق النقيب المنتخب وفريقه مهام جسام ومسؤولية كبيرة وسوف يكون حتما واحد من الفنانين المرشحين (د.جبار جودي و محمود ابو العباس و د.رياض شهيد) والثلاثة على قدر عال من المكانة ويمتلكون القدرة على إدارة النقابة وتصحيح مسارها بشكل قويم ، من يفوز سوف نقول له الف مبروك هذا التكليف وليس التشريف فهي مهمة عظيمة ننتظر جميعا أن نقطف ثمارها لا أن تذبل أعوامها ونذبل معها