المستقل /
ارتباط الاقتصاد العالمي بالدولار وتحكم الولايات المتحدة به ، واستخدامه كسلاحللعقوبات على الدول التي تختلف او تتمرد على السياسة الامريكية، جعل بعض الدولتبحث بشكل جدي للتخلص من سيطرة الدولار وهيمنه على الاقتصاد .
ولعل الصين وروسيا ودول اخرى حاولت ان تخلق بديلاً للورقة الخضراء في التعاملاتالتجارية .
لكن عملية فك الارتباط بالدولار ، ليس سهلا ، فعملية الارتباط بالدولار كما هو معروف امتدلحقبة طويلة ، بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى اليوم.
فكيف ظهر الدولار؟ وما قصة،صعوده؟ ومتى بدأت؟ وكيف استمرت؟ وكيف استخدمتهالولايات المتحدة الأمريكية كواحد من أهم أدواتها للنفوذ والسيطرة؟ ولماذا يكثر الجدلاليوم حول الانفكاك أو فك الارتباط مع الدولار؟ وهل يمكن إسقاط هذه الورقة الخضراء منعرش العالم النقدي؟
جزء كبير من الهيمنة الأمريكية على العالم يعود الفضل به إلى هيمنة الدولار الأمريكيعلى الاقتصاد العالمي..
في عام 1879 حصل تضخّم هائل في الولايات المتّحدة وخسر الدولار الأمريكي جزءاً كبيراً من قيمته، تمّ تغطية الدولار الأمريكي بالذهب; حيث صار بمقدور الناس استبدالالدولارات الأمريكية الخضراء بالذهب متى ما أرادوا ذلك مما خفّض التضخّم وأنعشالاقتصاد. وكان قبل ذلك مجرد عملة ورقية لم تكن مغطاة .
في عام 1929م حصل الكساد العظيم (أزمة اقتصادية عالمية استمرت لسنوات)، مما دفعالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى إلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933م ولكنّه أعادتغطية الدولار بالذهب عام 1934م مع تعديلٍ نسبي لسعر الدولار للتخلص من إرهاصاتتلك الأزمة. استمر الأمر على ما هوّ عليه إلى حين حصول اتفاقية Bretton Woods.
قبل أن تخرج الولايات المتّحدة منتصرةً من الحرب العالمية بعامٍ واحد، بدأت تعمل علىإنشاء نظامٍ عالمي جديد وبالتالي إنشاء نظام عالمي اقتصادي جديد، تكون الولاياتالمتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه. وقد حصل ذلك عن طريق اتفاقية Bretton Woods سنة 1944م.
حضر هذه الاتفاقية 44 دولة من حول العالم، واستمر انعقاد المؤتمر لأكثر من 22 يومًا، تمّفيه توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدوليةبالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها. أهمّ نتائج المؤتمر كان اعتماد الدولارالأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى; يمكنك أن تقول أنّ هذهالاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيلصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي الاتفاقية الرئيسية التيرسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت هذه الدولالـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.
وهكذا تحقق حلم العمّ سام بالسيطرة على الاقتصاد العالمي.. ولكن تطورًا مهمًا حصللاحقًا.
حرب فيتنام وصدمة نيكسون وإلغاء تغطية الدولار الأمريكي بالذهب
خاضت الولايات المتّحدة حرب فيتنام من العام 1956م – 1975م، وكالمعتاد، احتاجتالولايات المتّحدة إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ولكن الدولارات لم تكفي،لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة (بل والعالم) لم يعد كافيًا ليغطّي الدولارالأمريكي، لم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات لأنّ الذهب الموجود لم يعد كافيًالتغطيتها، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولاراتالمطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تُعلِم أحدًا بذلك.
ولكن الأزمة الكبرى حصلت عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديغول عام 1971مبتحويل الدولارات الأمريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب (طالببتحويل 191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، وكان سعر الأونصة 35$)، عملًاباتفاقية Bretton Woods التي تسمح بذلك; أدّى هذا الأمر إلى عجز الولايات المتّحدةلاحقًا عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشاردنيكسون إلى إصدار بيان في عام 1973 يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويلالدولارات الأمريكية إلى ذهب، عُرفت لاحقًا باسم Nixon Shock أو صدمة نيكسون.
كانت صدمة حقيقية للدول على مستوى العالم، إنّها خدعة تمّ خداع العالم بأسره بها،فبعد أن كانت تعمل على مرّ السنوات لتكديس الدولار الأمريكي كاحتياطي للنقد الأجنبيلتستبدله بالذهب عندما تريد، أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، والأسوء من كلّ ذلك هيأنّها كانت ما تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنّها لا يمكنها التخلّي عنه بعد أن قامتبتكديس كلّ هذه الدولارات في الاحتياطي النقدي الأجنبي وإلّا ضاعت أدراج الرياح.
قد يتساءل أحدهم: ولماذا لا تقوم هذه الدول بفكّ الارتباط من الدولار وإلغاء التعامل به؟ لأنّالأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم ليس موجودًا لحراسة فراغ فالقوة العسكرية هيمن تحمي القوة الاقتصادية.
وهكذا، تحوّل الدولار إلى أضخم عملة نقدية احتياطية أجنبية على مستوى العالم; حيثصارت جميع الدول مرغمة على التعامل به بالإضافة إلى كونه العملة الرئيسية التي يتمتحديد باقي العملات بناءً عليها.. مما رسّخ الهيمنة الأمريكية على اقتصاد