شيعة العراق مكونٌ مقصي … علي حبل المتين

كتب : عليَّ حبل المتين

كنتُ قد حضرت مناسبة عامة مع بعض الأصدقاء ويجلس قربنا كهلان قد بدا عليهما من صفحات وجهيهما التذمر والاستياء من الوضع العام للبلاد وهذا ديدن كل أفراد الشعب فلا فرد يخلُ محياه من لون التذمر حتى المستفيد والذي امتلأت جيوبه وفاضت، لكن حديثهما أوجز الكثير مما يشجي الغيور فعلًا حتى وجدت نفسي منساق نحوهما فتحولت من سامع لمستمع فانعزلت عن العالم الخارجي وانصراف ذهني إليهما متلهفًا كي ما يفوتني من الكلام قليلة، يقول أحدهما للثاني ما الذي كسبناه من هذا البلد فنحن نتعب ونشقى وغيرنا يحصد ولا نحصل على خمس مشقتنا وكأنا وجدنا للخدمة والمشقة والعناء، ثم عرجا على أحداث انتفاضة صفر ثم حرب إيران وكيف كأنا يقاتلان ولا يعرفان لماذا هربًا من الإعدام إلى الموت ويتذكران تلك الأيام وترحما على بعض الرفقة ممن عدموا وسفروا ونالتهم يد البطش والتهميش ثم عرجا على انتفاضة شعبان الخالدة وتذكرا الشهداء من أصحابهما وماذا أصابهم من إباحة المدن الشيعية بعد دخول قوات الحرس الجمهوري سيئة السمعة وفقدان أعزتهم كل هذا وبعد حتى توقفا عند يومنا هذا…

لقد بدا عليهما التعب والكبر واليأس والإحباط الذي أراه عند والدي وكل من قاربهما في السن؛ فعلًا الظروف تزيد الإنسان فوق عمره عمرًا يفاجأ به بمرور الأيام كأنه في التسعين وهو لما يقارب الاربعن، اعتذر جدا للقارئ على ذكر العنوان بهذه الصيغة لكن هناك مكون له الغالبية والقوة والعدد وفي المقابل يعيش كأنه ضيف ثقيل ومن الدرجة الثانية في اِرْضٍ أينعت برحيق دمه، لقد علمونا علماءنا وأهلنا أن نكون للعراق وألا نتعامل بروح الطائفية ولكن اليوم أريد الإشارة لهذه الغصة المكنونة هناك مكون يعاني الظلم الاجتماعي ويكبد على جرحه بلسع النار…

اذكر أن أحد أصدقائي من الخليج العربي قال لي كنا نعاني من الإقصاء لكن لكم الفضل في إنصافنا سألته كيف ذلك ونحن بعيدون عما تقول وإذا كان ذلك فنحن الأولى!؟ قال بعد أحداث التسعينيات التفتت الحكومة إلينا وفتحت لنا أبواب الممارسة الديموقراطية من إحياء الشعائر الدينية والثقافية والاجتماعية وكان أخي قد تخرج من الجامعة بمعدل عالي فتم تعيينه مباشرةً بعدما كان الأمر لإيكون إلا بشفاعة أو استثناء أو يمضي تعهد على نفسه…

أقول لو اطلعنا على تاريخ هذا المكون لزاد الطين بلة بل لعلنا نموت كبدًا وحسرة، هذا العناء ليس وليد الساعة لا أريد العودة إلى القرن الهجري الأول ونشوء الخلاف العقدي وحادثة عزلهم ولست في صدد ذكر الأحاديث التي تقيد وصف الشيعي، سلبت مكتبة السيد المرتضى عند غزو السلاجقة والهجوم على درس الطوسي حرق منزله حتى طالت النار كرسيه، والمذبحة التي حصلت في الكرخ، ونكبة الكرد الفيلة من تجريف أرضهم وطردهم وبيعهم بيعة زاهدة، وتواطؤ العثمانيون مع قبائل النجد ضدهم وهجومهم على كربلاء واستباحة أهلها، وإلى الآن مازالت الشيعة مسلوبة حقها وثورتها والعشرين خير شاهد ودليل، وتسفير الخالصي وبعض العلماء الذين نددوا بدور الحكومة على أنهم تبعية حيث كان في مجلس النواب عدد لكل مكون ومن ضمنهم يهودي واحد إلا الشيعة لأنهم لم يكونوا مهيئين لهكذا مناصب هكذا تم إقصائهم إقصاء متعمد من عملية صنع القرار السياسي، الشيعة في العراق يدفعون ضريبة لا يعرفون سببها والبسطاء كل همهم العيش الكريم وعندما يترك الشيعي بلده ويهاجر يتهم بالخيانة ونكران الجميل وقد أستشهد والده أو أخوه في سبيل البلد وهم يتسولون على أبواب المساجد لسد حاجتهم؛ قد منوا النفس بحكومة شيعية لكن يا خيبة الأمل فالحكومة القائمة باسمهم حكومة ورقية ولا يعرف هل هي ديمقراطية أو بيروقراطية أو ثيوقراطية أكثر جشعًا ونهبًا للمال العام، بينما يعاني أطفالهم من نقص الغذاء والتعليم اللائق بهم كمكون يطفُ على بحرٍ من النفط، إذا كان مجلس النواب وسيلة وطريق لإظهار استياء الشعب من الحكومة ما الحال إذا كان المجلس أشد فسادًا، لقد ابتلوا بطبقة حاكمة أشد عُتُوًّا وجشعًا؛ الشيعة لا يمنون النفس إلا بمطالب اقتصرت على إعادة هيكلة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل يعيد التوازن لمناطقهم كل هذه المطالب هي كاشفة عن رغبة المجتمع الشيعي لتعزيز مكانته الاجتماعية والسياسية في البلاد ولم يطلب الشيعة في العراق يومًا بسلخ أنفسهم من الدولة العراقية بل ضحوا بكل ما يملكون لا جل ثبتت قوامها كل ما يحتاجه الشيعي أن يمشي على أرضه فخورًا…

أعتقد أن هذه المناطق جامحة وصعبة المراس لهذا يحاول ترويضها بشتى الطرق وأبشع المحاولات، لقد ضرب بهم البعثيون وضربوهم، والآن هم ساحة نزال لتصفية الحسابات مليشات هنا وهناك والأراضي غصبت ولا يوجد غير المخدرات وسيلة للترفيه بل تقف على بابك، وبيع الأعضاء والرقيق لا مستشفيات ولا مدارس ولا مناشئ بل زادوهم جهلًا وبربرة أما الأحزاب فكل حزب بما لديهم فرحون؛ يشهر بالمواطن الشيعي إذا احتاج عناية حتى يهتك من أجل تلبية مطلبه، فيهم الصفات الحميدة النخوة والكرم والغيرة إغاثة الملهوف، يحتاجون الالتفات والتنمية والتعزيز لروح المواطنة…

يا شيعة العالم حاولوا إيصال صوت إخوتكم في العراق ومدى ظلمهم حاولوا إيصال أنهم بشرٌ يستحقون الحياة؛ أنهم صبروا طويلًا ولا يطالبون سوى الإنصاف ومعاملتهم على أنهم مواطنون لهم حقوق لا فقط دفع الوجبات، هذه النجف التي تعد عاصمة للعالم الإسلامي لا يليق بها أن تكون مدينة ثانوية فضلًا عن عاصمة والذي يقول غير ذلك أعور مكابر، حتى قائل قائلهم إن شيعة العراق لا يصلحون إلا للطم والنوح والطبخ وإقامة المأتم وهذا كل مرادهم، وماذا تتوقعون من مكونٍ يائس صب عليه الكبد والتهميش؛ هذا متنفسهم الوحيد فهم لا يثقون إلا بهذا الطريق، فقد تعبوا من الزينوفوبيا…

شيعة العراق منهم انطلق التشييع إلى العالم، وكل هجمة على المذهب يتصدى له شيعة العراق والتأريخ مليء بالشواهد. لكن مع كل هذا لم يعتنَ بهم مَعْنَوِيًّا (دِينِيًّا) وَمَادِّيًّا (من الحكام)، الشيعة في العراق حالهم لا يسر الناظرين، ويتحكم بهم إمعات بمعنى الكلمة حطموا وذهبوا بمجدهم إلى أحضان الغير.

(Visited 108 times, 1 visits today)

13 Comments

  1. Hi there, i read your blog from time to time and i own a similar one and i was just wondering if you get
    a lot of spam responses? If so how do you prevent
    it, any plugin or anything you can recommend? I get so much lately it’s driving me crazy so any support is very much appreciated.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *