د.احمد الميالي
تعد ظاهرة القيادة من اهم الظواهر السياسية واكثرها تأثيرا في الدول والمجتمعات سواء بشكل ايجابي او سلبي، اذ تعد القيادة اهم مداخل بناء الدول واحلال التغيير والاصلاح فيها، كما انها تعد كذلك اهم مداخل الفشل والاخفاق والتراجع للدول والمجتمعات.
ولهذا تتنوع وتتعدد نظريات نشوء القيادة ودلالاتها، اذا لاتوجد محددات او منطلقات ثابتة لظهورها، وتبرز مؤشرات نشوء القيادة من الابعاد الاجتماعية والنفسية والثقافية، وطبيعة المجتمعات ذاتها، لكن هنالك عدة نظريات مطروحة لتفسير ظاهرة نشوء القيادة وبروزها في الدول والمجتمعات منها :
١- نظرية العبقرية الكاريزمية ، المتمثلة بالقدرة العقلية الفائقة والخاصة التي يتميز بها القادة، ايد هذه النظرية ماكس فيبر، وهاري ترومان، وتمثل الشخصيات الملهمة نموذجا لهذه القيادة .
٢- نظرية السمات : هذه النظرية تفسر القيادة بدلالة الصفات الشخصية التي تجعل منه قائدا ، منها: السمات الجسمية: كالصحه ، والنشاط ، والهيبة ..
السمات العقلية المعرفية : كالذكاء والثقافة والقيم والفراسة ..
السمات الاجتماعية : مثل التعامل الايجابي وكسب الاخرين، وحسن الاتصال، وخلق الروح المعنوية في الجماعة.
السمات الانفعالية : ضبط النفس وقوة الارادة والثبات الانفعالي .
السمات العامة : التواضع والقدرة على الابتكار، والتميز.
٣- النظرية الموقفية : القائد يبرز في موقف معين ويدير ازمة محددة في موقف معين، ويكون هذا الموقف كفيل بجعله قائدا لقدرته على ادارة الازمة في موقف ما.
٤- النظرية التفاعلية : تعني ان القيادة حركية ديناميكية مع المنظومة الاجتماعية والقاعدة الشعبية، ومع انتشار القيم والافكار والمؤسسات الديمقراطية اخذت فكرة القيادة الموروثة تتلاشى ليحل محلها فكرة ان القيادة موجودة في كل طبقات المجتمع، كما ان القيادة لم تعد مجرد قائد يتربع سدة الحكم والسلطة، بل هي علاقة تفاعلية بين عدة عناصر وفاعلين من اجل تحقيق الاهداف والغايات في ظل قيم مشتركة. هذه العلاقات التفاعلية المتبادلة والمتكاملة تجعل من القيادة ظاهرة اجتماعية بل مؤسسة لها كيان معنوي وقيم وتنظيمات واجراءات قد يتم ترجمتها الى كيان مادي بما يزيد من قدرتها على اداء الادوار المنوطة بهاء، وقدرة هذه القيادة على اكتساب القيمة والاستقرار يقاس بقدرتها على التكيف مع المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية، ومحك القيادة الناجحة هو تحويل المثل العليا الى فكرة ومؤسسة لكي يستمر الاصلاح والاداء الانجازي الفاعل. الا ان جماعية الظاهرة التفاعلية لاتنفي حقيقة ان القائد هو الفاعل الرئيسي المؤثر في مجمل التفاعلات التي تتم وتحصل في المجتمع او الممارسة السياسية المتبادلة، ويتوقف ذلك على مدى ديمومة التأثير والتفاعل المتبادل بين القيادة والجماعة
٥- النظرية التنفيذية : القدرة على الانجاز والاداء، وعدم الاستسلام للاخفاق والفشل، وهنا يتصف القائد بالحسم في الادارة والقيادة والتنفيذ ويميل الى العمل الدؤوب بتفاني ميدانيا او اتصاليا..
٦- نظرية التأثير والنفوذ والتحليل النفسي: القدرة على توجيه نشاط الاخرين والنفوذ عليهم، وتحريك مشاعرهم وعواطفهم وانفعالاتهم لصالحه وصالحهم، من خلال خلق اعجاب وتاييد من قبل الجماهير بشخصيته.
٧- النظرية الحتمية : الناس بالفطرة يريدون ان يكون لهم قائد وبحاجة اليه، فالناس ميالون الى خلق فرد يحكمهم وهنا تخلق القيادة حتى لو كانت شخصية لاتتصف بسمات القيادة. وهذا الحال موجود في معظم البلدان المتخلفة.
في العراق ومع انتشار ظاهرة القيادة بمستوياتها المتعددة ترتبط نشأة القيادة بهذه النظريات، تبرز نظرية التأثير في نشوء اغلب القيادات الدينية والاجتماعية على وجه التحديد، كما وتبرز النظرية التنفيذية في استيلاد قيادات سياسية وادارية في العراق بكل محدود ، لان شرعية الانجاز والقدرة على الاداء معيار رئيس لالتفاف المجتمع والقواعد الشعبية حول الشخصية التنفيذية القادرة على التفاعل والتحرك والادارة خاصة عند تولي المهام والمسؤوليات، وتبرز شخصية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي كمثال بارز على هذه النظرية المنشأة للقيادة اضافة الى النظرية التفاعلية. كذلك للنظرية الموقفية دور في نشوء ظاهرة القيادة في العراق وهي الابرز ، اذ تظهر عديد من القيادات السياسية التي تنجح في ادارة ازمة ما او موقف بارز لكنها سرعان ماتتراجع وتتلاشى بعد انتهاء هذه الازمة او ذاك الموقف.
تبقى القيادة خدمة وليست تسيد وترأُس فحسب ، ديمومة القيادة لا تكون الا عبر استملاك قلوب الناس وهذا يكون عبر الخدمة والتفاعل والاداء والانجاز.
نظريات نشوء القيادة .. د. احمد الميالي
(Visited 23 times, 1 visits today)