شروط قيام دولة القانون

شروط قيام دولة القانون

هناك اجماع في نظرية تأسيس الدولة الحديثة على
اخضاعها للقانون, أي ان حكم القانون والية تنفيذه
هما الضمانة الحقيقة في استمراريتها ونموها وقوتها.
ومن اجل القيام بدولة القانون , لابد من توفر
مجموعة من الشروط:
أولا – الدستور
يعتبر الدستور ضمانة أساسية لقيام دولة القانون .
فالدستور أُس القوانين او ما يطلق عليه أحيانا بالقانون
الأساس، وهو الذي يشرح نظام الحكم في الدولة،
وتشكيل السلطات العامة، وتوزيع الاختصاصات بينها،
وكيفية ممارستها، كما يبين حقوق الأفراد والوسائل
اللازمة لضمانها وصيانتها .
فالدستور يشكل إذا قيدا قانونيا لسلطات الدولة، حيث
يبين حدود واختصاص كل سلطة لا تستطيع تجاوزها،
والا تكن قد خالفت أحكام الدستور وفقدت السند
الشرعي لتصرفها .
وأحكام الدستور تقع في قمة هرم النظام القانوني،
ويسمو على ماعداها من قواعد قانونية .
ثانيا – الفصل بين السلطات
يعتبر مبد أفصل السلطات أحد أهم المبادئ
الدستورية في الدول الديمقراطية المعاصرة، ويعني
وجوب الفصل بين السلطات الدستورية الأساسية :
التشريعية والتنفيذية والقضائية .
ويقصد بالفصل بين هذه السلطات الفصل الشكلي
أو العضوي: أي توجد هيئة أو سلطة تتولى وظيفة
التشريع وهيئة أو سلطة تتولى وظيفة التنفيذ وهيئة
أو سلطة تتولى وظيفة القضاء .
وهذا المبدأ ينسب، الى الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو،
على الرغم من أنه ليس هو أول القائلين به، من
خال بحثه عن المثالية السياسية عن طريق إيجاد
سلطة معتدلة.
وقد برر مونتسكيو هذا الفصل بين السلطات
بأسباب فلسفية وتاريخية وبشرية يمكن تلخيصها
بما قاله في إحدى فقرات كتابه الرائع ) روح
القوانين ( حيث قال : )) إن الحرية السياسية لا
يمكن أن تتواجد إلا في ظل الحكومات المعتدلة،
غير أنها لا توجد دائما، إذ انها لا تتحقق إلا عند
عدم إساءة استعمال السلطة. ولكن التجربة
الأبدية أثبتت أن كل إنسان يتمتع بسلطة لا بد
أن يسيئ استعمالها إلى ان يجد الحدود التي
توقفه، فالفضيلة في حد ذاتها في حاجة إلى
حدود . ولكي لا يمكن إساءة استعمال السلطة
فإنه يتوجب ان يكون النظام قائما على أساس
ان السلطة تحد السلطة ((.
لذلك تعتبر من أهم مزايا مبدأ الفصل بين السلطات
صيانة الحرية ومنع الاستبداد والمساهمة في انشاء أو
بناء دولة القانون.
ثالثا – رقابة القضاء
إذا كان مبدأ فصل السلطات يشكل نوعا من الرقابة
السياسية التي تعني أن كل سلطة تملك الوسائل
الكفيلة بالحد من تعسف أو تجاوز السلطات الدستورية
الاخرى، فإن الرقابة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل
لصيانة وحماية حقوق وحريات الأفراد، سواء فيما
يتعلق بخضوع السلطة التنفيذية أم الإدارة للقانون، أم
في خضوع السلطة التشريعية للدستور .
فالسلطة التنفيذية او الادارة يجب ان تخضع فيما يصدر
عنها من تصرفات قانونية أو مادية لأحكام القانون.
فإلادارة يجب أن تخضع لمبدأ المشروعية فيما تصدره
من قرارات، تحت طائلة إلغاء ما يخالف هذا المبدأ
عن طريق دعوى الإلغاء كذلك يمكن للقضاء الحكم
بالتعويض على الادارة عما تسببه من أضرار لأصحاب
الشأن.
كذلك فإن السلطة التنفيذية تكون خاضعة في
تصرفاتها لأحكام الدستور طبقا لفكرة تدرج القواعد
القانونية حيث تشكل أحكام الدستور القواعد الأسمى
التي تأتي في قمة هرم القواعد القانونية.
فالسلطة التنفيذية، يجب أن تتفق أعمالها وتصرفاتها
كسلطة إدارية ليس مع أحكام الدستور فقط، بل مع
أحكام القواعد القانونية الأخرى النافذة من قوانين
عادية ولوائح تنظيمية.
والقضاء هو الضامن والكفيل لتأمين احترام السلطة
التنفيذية لهذه الاحكام من خال دعوى الإلغاء،
ودعوى التعويض عن أعمالها وتصرفاتها – سواء
اللوائح التنظيمية ام القرارات الفردية – .
كذلك فإن أعمال السلطة التشريعية يجب أن تدور
في حدود أحكام الدستور، وخاصة في اصدارها
للتشريعات.
فا تملك السلطة التشريعية أن تخالف أحكام الدستور،
في نصها وفي روحها، من خال القوانين الصادرة
عنها.
فأحكام القوانين يجب أن تكون متفقة مع أحكام
الدستور، وذلك تحت طائلة بطلانها.
وضمان ان تكون أحكام القوانين متفقة مع أحام
الدستور يتم عن طريق الرقابة على دستورية القوانين
سواء بطريق الدعوى المباشرة أم بطريق الدفع الفرعي
بعدم الدستورية .
رابعا – ضمان الحقوق والحريات الفردية
في الحقيقة إن الهدف الرئيسي من إخضاع الدولة
للقانون هو تأمين الحماية لحقوق وحريات الأفراد ضد
تعسف السلطات العامة .
ولذلك فإنه يفترض في دولة القانون ضمان حقوق
وحريات الافراد .
ولذلك نجد أغلب الدساتير الحديثة للدول تنص على
كفالة هذه الحقوق والحريات .
هذه الحقوق والحريات التي تشكل قيدا على سلطة
الدولة، لم تعد الدول الحديثة تقف موقفا سلبيا
تجاهها كما كان ينادي أصحاب المذهب الليبرالي،
وانما تقوم هذه الدول بالتدخل الايجابي لكفالتها
وضمان ممارستها .
فالدول الحديثة ملزمة بالعمل على كفالة وتنمية
الحقوق والحريات الجديدة وخاصة ما يعرف باسم
الحقوق الاجتماعية والاقتصادية .
خامسا – استقلال القضاء
إن وجود قضاء مستقل يشكل أحد أهم الدعامات
الأساسية لقيام دولة القانون.
وعلى استقلال القضاء يتوقف الوجود الفعلي لبقية
مقومات دولة القانون.
فا قيمة للدستور , ولا لمبدأ الفصل بين السلطات،
ولا لإعان الحقوق والحريات الفردية، إلا بوجود رقابة
قضائية تضمن احترام أحكام الدستور وبقية القواعد
القانونية، وتضمن ممارسة كل سلطة وظائفها في
حدود مبدأ فصل السلطات وتضمن حماية للحقوق
والحريات الفردية .
ولا قيمة لهذه الرقابة القضائية الا اذا كان القضاء
المستقل يمارسها .
واستقلال القضاء – العدلي أو الإداري أو الدستوري –
الذي يعتبر أمرا لا بد منه لقيام دولة القانون يجب
أن يتأمن على مستويين : الاستقلال الشخصي للقضاة
والاستقلال الوظيفي لهم.
فالاستقلال الشخصي للقضاة يتأمن على أكثر من
صعيد: كيفية اختيار القضاة، والحصانة وخاصة
عدم قابلية العزل، والنظام المالي والإداري الخاص
بالترقية والنقل والتأديب وقواعد الحياد في مواجهة
الخصوم .
أما الاستقلال الوظيفي للقضاة فيتأمن من خال: عدم
تحصين أي عمل من أعمال سلطة الدولة من رقابة
القضاء، وعدم تدخل كل من السلطتين التشريعية
والتنفيذية في عمل القضاء، وضمان احترام حجية
الاحكام وتنفيذها .
يضاف الى هذه المقومات الأساسية لدولة القانون
العديد من المقومات الأخرى، وخاصة تلك المتعلقة
بلأمن القانوني وعلى رأسها مبدأ عدم رجعية القواعد
القانونية.
المراجع القانونية :

  1. روح القوانين , مونتسكيو.
  2. حقوق الشعب في دستور الجمهورية الاسامية
    الايرانية. بحث للدكتور جورج جبور.
  3. القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء
    الأول، ترجمة علي مقلد وشفيق حداد، بيروت
    للنشر 1977 .
(Visited 56 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *