كتب رياض الفرطوسي
اثارت تصريحات بعض الساسة من على منصات الاعلام. جدلا كبيرا عبر مواقع الحواروالفيسبوك في داخل العراق وخارجه‘ بسبب التصريحات التي يطلقها قسم منالسياسيين وتوظيف‘ هذه التصريحات لمصالح انتخابية وسياسية. وتظهر هذهالتوصيفات الدعائية المتسرعة والظالمة‘ حجم الانقسام السياسي والنفسي والكراهيةضد شريحة‘ كبيرة من ابناء الشعب العراقي ممن كانوا ضحايا نظام صدام. ولم تكن هذهالحملة هي الاولى من نوعها. فقد بدءت مع انهيار نظام البعث وسقوط الدكتاتورية‘ وعودة الكثير من العراقيين الى بلدهم بعد فراق طويل. ان معظم عراقيو الخارج همضحايا بطش السلطة الجائرة‘ فأختاروا الهجرة في ارض الله الواسعة انقاذا لأنفسهم. وكأن التاريخ يعيد نفسه حينما امر الرسول ( ص )‘ اصحابه بالهجرة الى الحبشة بعدسنوات من الاضطهاد والقتل‘ فذهبوا الى ملك الحبشة ( فتلك الارض لا يظلم عند ملكهااحد) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الاخرةاكبر لو كانوا يعلمون ( النحل 41 ). ربما فات اصحاب هذه الحملات الدعائية ان مناسقط الدكتاتورية‘ هم (عراقيو الخارج ) ممن تركوا العراق رغما عنهم. وهاجروا ليسبحثا عن فرص عمل‘ بل لمعارضة النظام ولو كانوا في العراق لأصبحوا من ضحاياه. ولااعتقد ان الذاكرة المنصفة نست او تناست حملات المقابر الجماعية‘ والمئات من المغيبينحتى ان الكثير منهم لحد الان لا يُعرف عنهم اي شي. نظرية ( عراقيو الخارج والداخل ) نظرية الاعلام الكاذب‘ التي روج لها البعث المنحل من اجل تمزيق لحمة المجتمع. ليسهناك اي علاقة بين التجربة السياسية الفاشلة لبعض الساسة‘ وبين اقامتهم بالخارجحيث ان الفشل والفساد هو بيئة اجتماعية‘ وليس اشخاص والحال ان هناك الكثير ممنعملوا بالسياسة‘ وكانوا بمناصب حساسة وعليهم ملفات فساد وملاحقات قانونية‘ لميغادروا العراق وهم حسب التصنيف الدعائي ( من عراقيي الداخل). لذلك فأن الفشلوالفساد واللصوصية ليس له هوية ولا وطن ولا جغرافية. وان القيم والاخلاق والمبادىءوالاخلاص والنزاهة مفاهيم راسخة‘ في الوجدان والضمير الحي لا تخضع هي الاخرىلمعايير الجنسية والحدود. مهمة النخب الحقيقية توعية المجتمع بالحقائق وليس تكرارالاوهام . من قال ان عراقيي الخارج لم يعانوا ولم يجوعوا ولم يقلقوا‘ ولم يعبروا حدودومحطات ولم يتعرضوا لمعاناة‘ ولم يعيشوا ضنك الفاقة والغربة وانتظار فرص العودةلبلدهم الام. عراقيو الخارج الذين كان لهم دور مسؤول في اقناع المجتمع الدولي‘ بمظلومية الشعب العراقي ورغبته في التحرر من الدكتاتورية. طغيان عائلة واحدة كانتتتحكم بمصير شعب عريق مثل الشعب العراقي. نحن نعيش الان في زمن مكشوفوليست هناك قطيعة بيننا وبين العالم. (المستشارة الالمانية انغيلا ميركل تقول : المانيااصبحت اقوى بفضل جهود المهاجرين الذين يعملون من اجل هذا البلد ) معظمهم اصبحمتجنس بالجنسية الالمانية ولم تقل الالمان الاصليين والالمان غير الاصليين. لقد ساهمالكثير من عراقيي الخارج بصناعة رفاهية مجتمعية‘ وثقافية وعلمية وفكرية فيالمجتمعات التي عاشوا فيها‘ وحصل الكثير منهم على اوسمة وشهادات علمية كبيرة. حتى الذين تعرضوا الى حملات التهجير القسري من رجال ونساء واطفال ولازال الكثيرمنهم يعاني لحد الان من خلفيات عملية التهجير والعنف الهمجي هم في نفس دائرةالهجوم والتسقيط. وعليه لا يمكن تكريس مفهوم القبح لعراقيي الخارج على نحوالتوظيف السياسي او ما شابه. بأمكان اي انسان الان يدخل الى تفاصيل حياة الناس‘ والمجتمعات عبر وسائل التواصل ويعرف ظروفهم وتحدياتهم‘ وليس للامر علاقةبالجغرافية او المكان. لا اعتقد ان خطاب ( عراقيو الخارج والداخل ) يشكل مكسب‘ انتخابي موفق في التلاعب بمشاعر الشباب والناس وورقة رابحة‘ لتحريك الغرائزالنفسية والمعنوية من خلال تصنيف المجتمع على نحو‘ جماعة الداخل وجماعة الخارج. لابد ان يتعزز خطابنا بالتنوير المعرفي. لأن الخارج ايضا علم الناس النشأة الحرة والعلموالمنطق‘ والمحبة والصداقة والقناعة من الداخل والمبادرة‘ والشجاعة والاستقلاليةوحيوية الضمير. وهذه يجب ان يتعلمها ابنائنا لكي تصبح التنشئة الاجتماعيةمتوازنة‘ ونخلق جيل يمتلك خيارات واعية وينشغل‘ ( ببناء الحاضر وصناعة المستقبل).