قراءة في تشكلات الانحطاط الأخلاقي

قراءة في تشكلات الانحطاط الأخلاقي

 

 

عمر سامي || كاتب عراقي

 

لا يخفى على أحد أننا في مواجهة مشكلة أخلاقية عامة، ربما لا تتعلق بالمجتمعات النامية فقط، بل تتعدى ذلك لتهدد المجتمعات المدنية المتقدمة. المشكلة ليست بالأخلاق كممارسة، أنها تكمن في فهم الأخلاق كرادع اجتماعي، بمعنى آخر فهم واستيعاب دور الأخلاق في الحفاظ على المجتمع قائمًا وَصِحِّيًّا بصورة أكثر وضوح، أي تقبل الجانب البراجماتي (العملي) من الأخلاق. هنا نطرح سؤال ملح في غالب الأحيان هل الحرية أحد مسببات هذا الانحطاط؟ حقيقة الإجابة على هذا السؤال صعبة نوعًا ما؛ لأنها لا تتعلق بمفهوم الحرية، بقدر تعلقها بالتصور الذهني المشكل من قبل الأشخاص عن الحرية.
‏فالحرية بمفهومها الوجودي المعاصر، تعني بشكل من الأشكال المسؤولية الذاتية عن القرارات وتحمل نتائجها، بمعنى أن الحرية تشكل مفهومًا أخلاقيا هيا أيضا، فهي تعني بشكل مبسط، أن يكون الإنسان على مستوى من الوعي يستطيع من خلاله توجيه حريته، بحيث لا تتعارض مع حرية الآخرين. وهنا مباشرة ينبغي أن نقفز لمفهوم آخر ألا وهو احترام الآخر، وحريته، وآرائه، والتعايش بسلمية معه (أي مفهوم التعايش السلمي). وهذا الأمر مفقود بشدة داخل مجتمعنا والسبب هو؛ محاولات التغيير المستمرة للمجتمع على المستوى الديموغرافي، والثقافي فمن تمجيد للقومية، إلى اعتماد الدين كمعيار اجتماعي وسياسي، بدأت المتغيرات تفرض نفسها وذلك من خلال تغير كيان الدولة من ثم المجتمع، لكن استرداد الماضي بهذه الأشكال جعل من الفرد متمزقًا؛ فمرة هو عروبي يسعى لتوحيد أمته العربية، وأخرى إسلامي يفرق بين داري الإسلام والحرب. هنا أصبح الفرد ملتصقًا بشكل كلي بأفكاره؛ ليمسك بها خوف أن تطير في هذا العصف من التغيير الفكري، وعدم توحيد المرجعيات. ومع التغيير الديموغرافي الذي أشرنا له سابقًا في بعض المناطق، ووضوح توجهات أخرى بصورة أكثر علنية؛ بدأت تتشكل مناطق الجذب التي تعلي نفسها كبيئات (pure) صافية من أي أشكال فكرية معارضة، وهنا تشكل مفهوم عدم تقبل الآخر فرغم الاختلاط الشكلي، تكونت هذه المناطق كبيئات متكورة على نفسها، ولا تمارس أي شكل من أشكال التلاقح الفكري، وينبغي الإشارة كذلك إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك؛ فهذا الفضاء الرقمي شكل نوع من التكتلات المضادة للتنوع (بقدر ما شكل بيئات انفتاح)، حتى على مستوى المجتمعات المتقدمة؛ فأصبحت تغذي أطروحة التفكير أحادي القطب، ورفض الآخر وشيطنته. ولنأخذ مثالًا نعاني منه الآن، فالحرب القائمة الآن بين روسيا وأوكرانيا تنطبق عليها أشكال كثيرة من هذا الانفصال الأخلاقي morel disengagement فمع شجب العالم أجمع للحرب ظهرت أصوات في مجتمعاتنا العربية تضمر نوعًا من الشماتة باواكرانيا؛ كونها دولة ساهمت باحتلال العراق، فيما سبق (بالطبع مع الحلف الأمريكي) وبالتأكيد هذا شكل من أشكال الانفصال الأخلاقي (حسب نظرية عالم النفس الاجتماعي ألبرت باندورا) لدى مدعي هذا الرأي وهو الشكل الرابع تجريم الضحية ونزع الصفات الإنسانية عنها Dehumanizing the Victim كما أفضل ترجمته، فأمريكا آنذاك باواكرانيا أو بدونها كانت احتلت العراق، وإسهام أوكرانيا لم يكن سوى دعم ببعض الجنود مثلها مثل بقية الدول، ومنها الدول العربية الشقيقة، وكما هو معروف العراق في تلك الفترة كان مارقًا (والمقصود هنا الدكتاتور) عن القانون الدولي، فكان يجب إنهاء تلك الحقبة بأي طريقة (وباعتقادي أن الأمر كان سينتهي بهذا السوء حتى لو لم تحتل أمريكا العراق، ولكن احتلال أمريكا سرع من الكارثة لا أكثر)، وحتى لو فرضنا أن الدولة الأوكرانية كانت مذنبة آنذاك ما ذنب الأطفال الآن في الحرب التي سوف يفقدون آبائهم وفرصهم في الحياة الكريمة جرائها، فالشعب العراقي أثناء غزو قيادته آنذاك للكويت وما بعد ذلك تعرض لشكل من أشكال الشيطنه والتجريم كذلك، وبقينا فترة ليست بالقليلة حتى محيت هذه النظرة عنا، وعرف العالم بصورة أكبر أننا شعب لم يكن يرغب بالحرب (حتى وآن كان على المستوى الرسمي).

(Visited 56 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *