د. طورهان المفتي
يطلق مصطلح ( خط احمر ) في التعاملات السياسية الدارجة ضمن المصطلحات والاشارات السياسية المستحدثة حيث يطلق على اي موقف او أي مبدا او فكرة او معتقد او اسس لا يمكن تجاوزها وإغفالها ،وبتعبير أدق لا يمكن التنازل عنها مهما كلف الدفاع عنها لذا سمي خط احمر .
اصل مقولة (خط احمر ).
تاريخياً يرجع بزوغ هذا المصطلح السياسي الى عام ١٨٦٨ ميلادية الى البريطانيين ، حيث في تلك الايام تم استخدام اللون الاحمر في اشارات المرور لاجل تنظيم سير عربات النقل ( قبل اختراع السيارات) وذلك في منطقة وجود بناية مجلس العموم البريطاني حيث كانت الاشارات الحمراء امام مجلس العموم لغرض تنظم حركة سير العربات مما لايؤثر على سريان الاجتماعات في مجلس العموم ويمنع حصول ازدحامات او تقاطعات ،ولشدة التزام الانكليز بالتعليمات فقد تحول اللون الأحمر او الاشارة المرورية الحمراء الى معنى سياسي لدى النواب واللوردات هناك فتحول الى مصطلح خط احمر او خطوط حمراء واصبح هذا المصطلح يتم تداوله في الاجتماعات والمناقشات السياسية .
ولكي يكتمل المفهوم فان اللون الأحمر له دلالات مختلفة طبقا للمجتمع فمثلا لدى غالبية المجتمعات الانسانية فان اللون الاحمر يدل على الشهادة والتضحية ،ولدى الصينين يدل على الثروة المادية والرخاء الاقتصادي ، ولدى المجتمع الهندي فإنه دلالة على حالات اجتماعية معينة وفي المجتمعات الاشتراكية يدل على الغضب والثورة والاقتصاص . كما ان اللون الاحمر يدل على الحب والهيام ومنه اشتق اللون الأحمر في تمثيل قلوب المحبين والعشاق وخاصة في مناسبات مثل اعياد فالنتاين .
بعد هذه اللمحة التاريخية المختصرة عن الألوان واشارات المرور لنرجع الى الوضع في العراق.
الية الخطوط الحمراء في العراق .
حقيقة الامر فان هذا الموضوع متشعب جدًا في تعريف الخطوط الحمراء للفرد العراق او للمجتمع العراقي ككل ، حيث يخضع هذا الموضوع الى عوامل متعددة جدًا ، منها العامل العاطفي ، العامل السياسي، العامل المكوناتي والعشائري ، العامل اليومي والافكار الطارئة وقبل كل هذا وذاك العامل الشخصي والذي يتميز به العراقي من العناد والاصرار.
بجمع هذه العوامل سوف يتولد لدى العراقي والعراق مجموعة لا حصر لها من الخطوط الحمراء ذات القابلية على التوالد والتكاثر ، كما وان هذه الخطوط الحمراء منها ثابتة ومنها ذات قابلية ديناميكية ومتغيرة حسب ما تستجد من ظروف واجواء . عليه وضمن هذه الشروط والاجواء تفقد مصطلح الخطوط الحمراء محتواه وفي احيان كثيرة تتعاظم تلك المحتوى .
ماهي تلك الخطوط الحمراء في العراق .
الخطوط الحمراء في العراق بصورة عامة تبدء من :
١- الاعتبارات الدينية ورموزها(وهي من الخطوط الثابتة) مما يحمي كيان المجتمع العراقي من الانهيار والانزلاق مثل ما يحصل في المجتمعات الاخرى حين يتم تجاهل هذه الاعتبارات .
٢- الاعتبارات الموجهة (وهي من الخطوط المتزمتة ) ناتجة عن اتباع تلك الشخصية والذود عنها بسبب عصبيات مكوناتية او قبلية او سياسية ، وفي بعض الاحيان تتغطى هذه الخطوط على بقية الخطوط .
٣- الاعتبارات الوطنية ( وهي من الخطوط المرنة والتي تختلف قوتها وصلابتها تبعاً للمحتوى السياسي والجغرافي )
٤- الاعتبارات ذات المصلحة الشخصية ( وهي من اكثر الخطوط انتشاراً واكثرها تنوعًا بحسب المصلحة الشخصية) .
الى ماذا نحتاج من الخطوط الحمراء .
العراق غارق الى ابعد حد في تفاصيل الخطوط الحمراء وتابعي هذه الخطوط مما لا يترك مجالًا جدياً لظهور خطوط حمراء جديدة تخضع للمصلحة العامة للمجتمع العراقي مما تسلط هذه الخطوط الجديدة ضغطاً قوياً على الطبقة المتصدية في الدولة في تبنيها والتي سوف تساهم في حماية العراق، والسير بالعراق الى عهد قوته وقدرته في المنطقة. وعليه فان هذه الخطوط الجديدة ( والتي سوف تاتي بعد خطوط الاعتبارات الدينية ورموزها ) لابد ان تكون حول ان الفرد العراقي خط احمر في كيانه وفي مياهه وفي امنه الغذائي وفي اقتصاده وفي كرامته ( حيث لا يمكن توفير هذه المسميات الى المواطن تحت مسمى مكرمة او التفاته كريمة ، تلك ان هذه المسميات هي حقوق قبل ان تكون مكتسبات او مكرمات للفرد العراقي ) .
كما وان لابد من ان تكون هناك خطوط حمراء تحمي مصلحة البلاد العليا وتحفظ هيبة العراق امام جميع القوى الدولية متمثلًا بآليات التخاطب الدولي والدبلوماسي اضافة الى العمل المستمر من قبل اصحاب القرار في تسليط الضوء على هذه الخطوط، ويقيناً فان الدستور العراقي لابد ان يكون ضمن اوائل الخطوط الحمراء والتي بموجبه يتم رسم بقية الخطوط الحمراء في الحفاظ على البلاد والعباد حيث ان الدستور هو خلاصة الاتفاق العراقي بجميع مكوناته بالتالي فان ما يصدر من خطوط حمراء اعتماداً عليه يكون متفقاً عليه شعبياً .مما يوجه المتصدين في البلاد الى السير قدمًا في المحافظة على الخطوط الحمراء التي تضمن سيادة البلاد وكرامة المواطن وتوفير الخدمات واستنهاض الحقوق للعمل فيما بعد على المكتسبات ، وستختفي مع مرور الزمن بقية الخطوط المعتمدة على المصالح الشخصية وعلى العواطف الفئوية لتظهر لدينا اسس متينة للدولة العراقية وللفرد العراقي .
