تحقيق : مريم ماجد
كان الحديث عن التحرش الجنسي يعتبر من المحرمات او الممنوعات. خصوصاً فيالمجتمعات المحافظة ، وظل ذلك لوقت طويل تحت عناوين ” العيب او الحرام ” ، حتى بلغالسيل الزبى ، واصبحت. ووصل التحرش حداً لا يمكن التغاضي عنه ، ففجر الاعلام هذهالقضية وسلط الضوء عليها، واصبحت رأي عام في كثير من البلدان العربية .
كانت النساء في الماضي يتحفظن من ذكر كلمة تحرش ، لأنه يعرضهن للإحراج، خصوصاًأن أغلب الحالات تأتي من زملاء مقربين في العمل او من مدرائهن ، أو حتى من الأقارب. ونشطت في الآونة الأخيرة جمعيات وحملات إعلامية كثيرة تشجع النساء والفتيات علىالبوح وتحطيم حاجز الصمت، لا سيما بعد اتساع حجم تفشي هذه الظاهرة، بحيث لايمكن السكوت عنها، أو التظاهر بعدم وجودها.
المستقل سبرت اغوار هذه الظاهرة والتقت بمجموعة من الفتيات والنساء اللواتي تعرضنلهذه الظاهرة.
عُلا أحمد ” 25 سنة ” فتاة عراقية تبحث عن عمل وجدت اعلاناً، لوظيفة وذهبت لاجراءالمقابلة .
تحكي لنا عن تجربتها المريرة فتقول : قدمت سيرتي الذاتية للشركة المعلنة عنها لكنيواجهت اسئلة لا علاقة لها. بالوظيفة، فقد تجاوز ” الموظف المسؤول “ الذي أجرى المقابلةجميع الاعراف المهنية وبدأ يسألني “كيف يُمكن لفتاةٍ بجمالكِ أن تكون غير متزوجة”؟ ومنثم ذهب ” الموظف المسؤول “ أكثر من ذلك السؤال وقال لها أنت شخصية دافئة جداً. لمتعرف عُلا كيف تتصرف وماذا تقول، اكتفت بالقول “الزواج قسمة ونصيب” وأكملتالمقابلة. بعدما جاءها القبول للعمل في الوظيفة التي قدمت لها، خضعت الفتاة الشابةللمزيد من الضغط النفسي بعدما حضر نفس الشخص الذي قابلها في المرة الأولى لتوقيععقد العمل. لقد أعلن لها وسوف يكون مديرها المباشر وسيرتبط عملها به، ما دفع بها الىرفض الوظيفة رغم احتياجها الشديد للعمل. وترى عُلا بأن فرصة الحصول على عمل تبدوصعبة حين لا تساوم الفتاة على كرامتها وشرفها ، إذ ان الكثير من الفتيات قد يتعرضنللتحرش الجنسي من قبل المسؤولين عن تشغيلهن.
غسق (٢٣ عاماً) تعرضت للتحرش من قبل مدير إحدى الشركات العاملة في مطار بغدادأثناء تقديمها على وظيفة أيضاً. لقد طلب المدير منها حسب شهادتها، أن تقيم علاقة معه،الأمر الذي دفعها إلى ترك الوظيفة رغم الراتب المغري الذي كان يصل إلى 1000 دولارأميركي في الشهر. لم ترضخ غسق لابتزاز المدير وفضلت ترك العمل، انما كلفها ذلكالجلوس في المنزل. وتلتزم الكثير من الفتيات الصمت ولا يتحدثن عما يتعرضن له منمضايقات وحالات تحرش في الشركات والدوائر الحكومية، انما كسر بعضهن حاجزالصمت والخوف ليتحدثن عما تعرضن له من الاعتداء والضغوط النفسية في أماكن العمل.
ولا تقتصر المضايقات الجنسية على المدراء وأرباب العمل فقط، بل تتعرض النساء غالباًالى التحرش والمضايقات من زملائهن أيضاً.
يذكر احمد حيدر (26 عاماً) وهو موظف كيف ان التحرش الجنسي بالفتيات تفاقمبشكل كبير وطال مواقع العمل، وتجاوز بعضها الرؤساء والمدراء ووصل إلى الزملاء. ويشير إلى ان الكثير من النساء يتعرضن للمضايقات والتحرش في العمل من قبلزملائهن. وتتنوع أشكال التحرش بحسب قوله، “بين الملامسة الجسدية والألفاظ أو النكاتوالتلميحات الخادشة للحياء، فمع اتساع نطاق الاختلاط بين الرجل والمرأة، أضحى منالطبيعي أن تتسبب كلمات الغزل على أقل تقدير بخدش الحياء”.
يتجاوز الاعتداء على النساء في أماكن العمل حدود التحرش ويصل أحياناً الى الاغتصابوإخضاع المرأة عبر التهديد والسطوة الإدارية والنفوذ السياسي.
هذا ما حصل مع هدى (٢٤ عاماً)، تعمل في احدى الدوائر الحكومية. تعرضت هدىللاغتصاب من قبل مديرها في آخر أيام الأسبوع، حيث خلت الدائرة تماماً من الموظفين،بينما تأخرت الضحية بغية انجاز عمل لم تستطع تركه وتأجيله للأسبوع المقبل. دخل المديرلمكتبها وأغلق الباب وراءه قائلاً لها، “لن يسمعك أحد، وإذا رفضتي سأفصلكِ من العمللعدم انجازكِ مهامك”. بكت الموظفة وأبدت مقاومتها له، انما لم تفلت من يديه وأجبرها علىممارسة الجنس معه بالقوة. حصل المدير عما يريد ومن ثم سمح لها بالخروج على أنتنجز العمل في الأسبوع المقبل. تستعيد هدى ما حصل لها مثل كابوس كل يوم، انما لاتستطيع فعل أي شيء، ذلك انه مسنود من قبل أحد الأحزاب المتنفذة وهي تخاف منه.
أنماط التحرش
كثير من السيدات لا يفترضن سيناريوهات التحرش من قبل زملاء العمل ولا يشغلنتفكيرهن بتحليل تصرفاتهم اليومية سواء بالنظر أو الكلمات أو التلميحات أو حتىالأفعال التي تبدو عفوية. لكن هناك إشارات معينة لا يمكن التغافل عنها ولابد من الانتباهلها حين تصدر عن زميل بغية وضع مساحة له لا يمكنه تجاوزها.
ومن ناحية ثانية على المرأة العاملة تجنب البقاء بمفردها بصحبة أي زميل أو رئيس عملفي أماكن تسمح لأفعال التحرش.
تقول : أسيل محمد (35) تكمن القضية في مدى قدرة كل فتاة تشعر بتصرفات غريبة منقبل رئيسها او زميلها او اي شخص على الدفاع عن نفسها وبما ان المضايقات تتجاوزواقع العمل أحياناً وتكون عبر الهاتف المحمول أو وسائل الاتصال الأخرى، على المرأة أنتكون على درجة كبيرة من الثقة بالنفس و من الوعي القانوني بحقوقها، وألا تشعر بأنهامذنبة لأنها تتعرض للتحرش أو المضايقات، أو خائفة في اتخاذ القرارات. ومن شأن ذلك انيقودها لاتخاذ القرار المناسب والتدابير اللازمة بشأن المتحرش.
الحد من التحرش
يدعو الكثير من الأهالي إلى الحد من ظاهرة التحرش ليكونوا مطمئنين على بناتهماللاتي يقضين ساعات طوال من العمل في الشركات والمؤسسات الحكومية، ويدعو واثقأحمد (53) عاماً المشرعون إلى اتخاذ قرارات صارمة بشأن هذه الظاهرة، ويضيف “يجبأن يتم فصل ومعاقبة كل تُسول له نفسه التحرش بفتاة في مكان العمل”، مُشيراً إلى ان“بعض المتنفذين لا يمكن محاسبتهم لارتباطهم بأحزاب وميليشيات وبالتالي يفرضونسيطرتهم على الدوائر الحكومية
يقول الصحفي احمد محمود ان “موضوع التحرش بالنساء في العمل من الموضوعاتالتي تحتاج الى وقفة حقيقية من الجهات الرقابية في المؤسسات ومتابعة وملاحقة منيُقدِمون على هذه الافعال غير الاخلاقية التي لا تمُت للأديان ولا للأعراف والتقاليد بأيصلة” معرباً عن أسفه لمحاربة المرأة وتهديدها بفصلها عن العمل في حال عدم تنازلهاورضوخها لشروط يمليها عليها مسؤولها في العمل. ويضيف الصحفي في هذا السياق،“على الرغم من ان التحرش في العمل مصنف ضمن الجرائم الوظيفية في العراق الا انهغير مطبق بسبب نفوذ المدراء وسلطتهم مما يثير تخوف النساء من الحديث بهذاالخصوص وما يشكله من تداعيات مجتمعية لهن ولعوائلهن”.
وترى رسل (٢٥) عاما ان “من اهم الصعوبات التي تواجهها المرآة اثناء العمل هي ظاهرةالتحرش حيث تجعلها تحت خياريين: ترك العمل او السكوت. وعلى الرغم من وجود قوانينلمكافحة التحرش ترى رسل بان ظاهرة التحرش تُعد من اكبر المعوقات التي تواجهها المرآةفي العمل ويجب ان تكون هناك منظمات متخصصة بالتحرش وان تكون هناك منظماتداعمة للمرأة وان تدافع عن حقوقها وان يكون هناك تشديد على قوانين التحرش ومساعدةالنساء في الافصاح عن هذه الظاهرة .
استغلال المنصب والجهات الداعمة
يشير المتحدثون في هذا التقرير، إلى ان هُناك العديد من النساء أُجبرن على ترك العملوأخريات قدمن تنازلات للحصول على الوظيفة، فيما التزمت أُخريات الصمت بدلاً عنالابلاغ عما تعرضن له، ويعود سبب الى مجتمع ذكوري يبرر فعل الرجل على حساب المرآة. وقد غيّبت العادات والتقاليد القوانين التي من شأنها استعادة حقوق المرأة، الأمر الذيكرّس التمييز القائم على النوع الاجتماعي في المجتمع العراقي.
ورغم كل الدعوات لا زالت المضايقات الجنسية قائمة، ويرى الباحث الاجتماعي علي صلاحان ظاهرة التحرش مشكلة كبيرة انتشرت في البلاد بشكلٍ واسع حيث لا فرق بين المدنالكبيرة والأرياف ولا فرق بين امرأة صغيرة وامرأة كبيرة ولا بين محجبة وأخرى غيرمحجبة، جميعهن يتعرضن للتحرش على الرغم من سعي بعض الجهات المتخصصةلإيجاد الحلول لها. ويدعو الباحث المعنيين الى تجريم ظاهرة المتحرش مشيراً إلى انهنالك من يحمل الفتيات المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة معللين ذلك بأن الفتاة ترجتمن دون حجاب او بسبب لبسها الذي لا يناسب العادات والتقاليد. يقول بهذا الشأن، “هذاالامر غير صحيح حيث ان الشباب يقومون بالتحرش بجميع النساء سواء كانت محجبة اوغير محجبة ولا سيما في اماكن العمل حيث هناك الكثير من الفتيات تركن العمل لهذاالسبب والبعض الاخر لا يستطعن ترك العمل، كما لا يستطعن البوح بشأن التحرش، ذلك انالعمل يعد مصدر معيشة لهن ولعائلاتهن”.
وعلى الرغم من الدعوات للحد من ظاهرة التحرش يبقى هذا الأمر مرهوناً بمدى قدرةالسطلات المعنية على محاسبة المتنفذين المسنودين من قبل الأحزاب الحاكمة، بحسب مايشير الكثير من المواطنين، فضلاً عن الروايات التي قدمتها النساء الناجيات من التحرش