مواويل جنوبية
عبدالسادة البصري
قبل أيام وتحديداً في الأول من آذار ، استذكر الناس المعلّم ، وكلٌ أدلى بدلوه عن الكائنالذي يشعل نفسه ليضيء الطريق للآخرين ، ويفتح النوافذ والأبواب مشرعةً أمام مَنْ يريدأن يبصر الحقيقة ، من خلال التعلّم والغوص في بحار المعرفة !!
وما أن اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الذكرى ، حتى عدتُ بذاكرتي لأيام خلت ،عندما كنت تلميذاً أضع خطواتي الأولى على طريق العلم والمعرفة ، وكيف كان المعلمونإبّان الستينات والسبعينات من القرن المنصرم ، إذ كانوا قدوة للناس جميعا ، فإنهم العَلَموالفنار الذي يهتدى به ، يكنّ الناس لهم احتراماً وتقديراً عاليين ، ولهم الحظوة ، ومنهمتؤخذ المشورة ، ويستأنس برأيهم !!
كان المعلّم شخصاً غير عادي ، بهندامه وتصرفاته وأناقته ، وأسلوبه في التدريس ونزاهتهوعفّته ، وكبريائه وهيبته !!
كان النجم الذي يهتدي بنوره الآخرون ، حيث العبارة المحكمة ، والكلام المنمّق ، والرأيالسديد ، إضافة إلى الثقافة والأدب والمعرفة والاتزان !!
اذكر حين كنت في المدرسة الابتدائية ، في مدرسة الخليج العربي ، جنوب الفاو ، كنّانتسابق عند بدء الدوام لنحظ بخدمة معلمينا ، من خلال استقبالهم قبل أن يصلوا إلىباب المدرسة ، لأخذ دراجاتهم الهوائية بعد أن يترجلوا منها ، كنّا نتقاسم دراجاتهم ،فدراجة أستاذ عدنان معلم الانكليزي لي ، ودراجة أستاذ عواد معلم العربي لأحمد ، ودراجةأستاذ جبار معلم الرياضيات لعلي ، كانوا يأتون مهندمين ومتأنقين بالبدلة ( القاط ) السموكن ، والحذاء ( الغبقلي ) والرباط المناسب للقاط !!
كان المعلّم حين يدخل الصف ، تدخل معه المهابة والاحترام والتقدير ، فيسود الصمت ،والكلّ يصغي بانتباه لما يقول ، كما كان يجلب معه وسائل الإيضاح ، ليعطي الدرس حقّه ،بالإضافة إلى نظافة المدرسة من جميع جوانبها ومرافقاتها وحمّاماتها وما إلى ذلك !!
اليوم ،، المدارس تشكو الإهمال ، والأوساخ ، وانسداد مجاري حمّاماتها ومرافقها الصحية، إضافة إلى انقطاع الماء والكهرباء في اغلب الأحيان !!
اليوم ،، المعلّم يشكو عدم احترام الطلبة وعدم انتباههم ، مع سوء تصرفاتهم ، وعدم قدرتهعلى إعطائهم دروس في التهذيب والتأديب ، لأنه سيتعرض إلى مشاكل وتهديدات من قبلأهلهم وذويهم تصل حد الاعتداء عليه !!
اليوم ،، المدارس الحكومية اغلبها آيلة إلى السقوط ، وحيطانها متآكلة ، مع تكسّر زجاجشبابيكها وانعدام النظافة ، مع ازدياد عدد المدارس الأهلية ، وإغراءاتها التي تقدّمها إلىالمعلمين والمدرسين والتلاميذ وذويهم ، وقد وصل الأمر أن تنشر الأهلية إعلاناتها علىجدران الحكومية ومقابل أبوابها !!
التربية والتعليم ، ومنذ أن وقف المعلّم في تسعينات القرن الماضي يبيع السجائر ويشكوالعوز والفقر والانصياع لأوامر تلميذه ، بدأ العد التنازلي لها ، من سيء إلى أسوء ، حتىوصلنا إلى تردٍ في كل شيء ، وصار الطالب بعيدا عن معلمه ، والمعلّم لاهثا وراء لقمةعيشه فضاع الخيط والعصفور !!
لهذا صرخ الشباب في ساحات التظاهر :ــ نريد وطناً ، يحترم العلم والمعرفة ، من خلالالاهتمام الحقيقي بالمعلم والمدرسة والمناهج التعليمية وبالطالب أيضا !!
حين يكون التعليم حقيقيا ، ويجد المعلم والطالب نفسيهما في وطن يحترم العلم والإنسان، سنجد معلّمنا الحقيقي الذي ضاع نتيجة الفساد والمحاصصة المقيتة التي نخرت البلد ،،وعندها سنحتفل بعيده أسمى احتفال