محمد عبد الجبار الشبوط
لاشهر سبقت سقوط النظام الدكتاتوري، دعوت قوى المعارضة العراقية الى الاستعدادللانتقال من حالة المعارضة الى حالة الدولة. ففي صيف عام ٢٠٠٢ تأكد لدينا ان الولاياتالمتحدة عازمة على اسقاط صدام حسين لاسباب تخصها. وكان سقوط النظام فرصةتاريخية للانتقال نحو الديمقراطية بعد ٣٥ سنة من الحكم العلماني الدكتاتوري. وهذايعني ان تولي السلطة من قبل المعارضة اصبح ممكنا في اطار الاليات الديمقراطية. ولعلمي ان قوى المعارضة لم تكن مستعدة بما يكفي لمغادرة خنادق المعارضة والذهاب الىمكاتب الحكم، لهذا كتبت مادة بعنوان “من المعارضة الى الدولة” وتم توزيعها باسم “حركةالكوادر الاسلامية” القائمة انذاك، على كل قوى المعارضة، خاصة تلك التي اشتركت فيمؤتمر لندن الذي عقد يومي ١٤–١٥ كانون الاول من عام ٢٠٠٢. سقط النظام في ٩ نيسانمن العام التالي، وتولت المعارضة العراقية بعض مقاليد الحكم في اطار مجلس الحكمالذي تشكل في 12 تموز 2003 من نفس العام. وهنا وقعت المعارضة في اول اخطاء اوعيوب التأسيس وهو عدم قدرتها على الانتقال من عقلية وسلوكية المعارضة الى عقليةوسلوكية الحكم والدولة. وكان هذا من اسباب وصول الحالة العراقية الى ما وصلت اليهالان، دون ان ننسى ان السبب الاول هو مخلفات واثار النظام الدكتاتوري نفسه.
والربّاط؟ في شهر تشرين الاول وما تلاه من عام ٢٠١٩ خرج الناس بتظاهرات احتجاجيةعارمة مطالبة بمكافحة الفساد واصلاح الدولة، فيما يحلو للبعض ان يسميه “ثورةتشرين“، وانا لا اقول بذلك، لكن المرجعية الدينية اطلقت عليا عنوان “الحركة الاصلاحية“،وانا اكتفي ان اسميها بما هي عليه فعلا، اي التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالاصلاح.
في وقتها، كنت اول من طالب باجراء انتخابات مبكرة بموجب المادة ٦٤من الدستور الدائم،وعلى اساس قانون جديد للانتخابات يعتمد اسلوب الترشيح الفردي بدلا من اسلوبالقائمة. وكان هدفي من ذلك هو استبدال الطبقة السياسية الحاكمة بغيرها، والتخلص منالاقطاعيات السياسية، ومن ثم تشكيل حكومة اصلاحية تشرع بتطبيق اطروحة الدولةالحضارية الحديثة.
سُرقت التظاهرات الاحتجاجية، واجهضت، وحُرفت عن خط سيرها الاول المدعوم من قبلالمرجعية، من قبل جهات معينة، ورفعت شعارات لا يمكن اعتبارها اصلاحية، ومورستممارسات لا يمكن ان تكون اصلاحية، الى ان اسفرت “الانتخابات المبكرة” المتأخرة جدا عننكسة كبيرة في مسار الاصلاح الوطني السياسي بتولي الحكومة الحالية مقاليد الحكم،وانتهى، مؤقتا، حلم الاصلاح واستبدال الطبقة السياسية المعوقة.
لكن في خضم هذا الهيجان، فاز بعض المتظاهرين المحتجين بالانتخابات واصبحوا نوابا،بعد ان كانوا قبل اشهر مجرد متظاهرين يقطعون الطرق الدولية والمحلية. ورغم كل العيوبالتي ظهرت او رافقت حركة التظاهرات فاني كنت آمل ان تتمكن الحفنة القليلة منالمتظاهرين الذين اصبحوا نوابا من ابقاء شعلة الاصلاح متقدة، وهذا ما لا يمكن انيحصل الا بان ينتقل هؤلاء من عقلية وممارسات التظاهر، الى عقلية وممارسات الحياةالنيابية، اي ان يصبحوا نوابا في قاعة البرلمان، وليسوا متظاهرين تحت قبة البرلمان. والميزة الكبرى للنائب انه “مشرّع“، اي واضع قوانين.
من خلال متابعتي لبعض هؤلاء المتظاهرين الذين اصبحوا نوابا اجد انهم وقعوا فينفس المرض الذي اعاق قوى المعارضة التي لم تستطع الانتقال من المعارضة الى الدولة، فلميستطيعوا الانتقال من التظاهر الى الدولة.
ومن نتائج هذا العيب ان هؤلاء النواب الذين كانوا متظاهرين لن يستطيعوا الافادة منالاليات التي يتيحها لهم الدستور باعتبارهم نوابا لغرض اصلاح ما يمكن اصلاحه مناحوال الدولة. مازال هؤلاء النواب الذين كانوا متظاهرين يرفعون لواء الاحتجاج ويرفعوناصواتهم عاليا ويطرحون اسئلة غير منطقية ويستخدمون عبارات لم يحددوا مضمونها. قبل ايام سأل احدهم وزير المالية الذي استضافه مجلس النواب: لماذا لم تؤسسواالصندوق السيادي خلال ١٩ عاما؟ كان بمقدور الوزير ان يقول: انا مسؤول فقط عن السنةوالنصف الماضية التي توليت فيها حقيبة وزارة المالية!
المادة ٦٠ من الدستور تضع بيد النائب الية دستورية للعمل على تأسيس الصندوقالسيادي، حيث تقول:”ثانياً، مقترحات القوانين تقدم من عشرةٍ من اعضاء مجلس النواب،أو من احدى لجانه المختصة.”. وهذا يعني ان بمقدور ١٠ نواب احدهم صاحب السؤالوضع مسودة اقتراح بقانون الصندوق السيادي ليأخذ مجراه الدستوري بالتشريع. الفرصة مازالت قائمة لهذا الامر كما لغيره اذا استطاع المتظاهرون الذين اصبحوا نواباتقمص دورهم الجديد!