مظفريات
41
يكتبها محمد السيد محسن
—-
يحرص الشعراء على استخدام واستنفاذ كل القاموس الشعري الذي يحمله الشاعرويضمنه قصائده , واشتهر الشعراء بالتنافس فيما بينهم بقدرتهم استخدام لفظ يسبق بهغيره , أو يوظف لفظا يسبق به غيره , غير ان الحقيقة ان اي لفظ من الممكن ان يتماستخدامه في القصيدة يحتاج الى عاملين : الاول ان يكون متواسقا مع القصيدة وليسمحشورا بين زوايا البيت او المقطع الشعري , وثانيهما , قدرة الشاعر على بث الروح بهذااللفظ , حيث يستطيع ان يجعل منه حيا ينبض بما يفيض بمعاني يحتاجها الشاعرلتنميق قصيدته , ويحتاجها القارئ او المستمع كي يفعل التأويل الذي يجعل منه قادراعلى قراءة الشعر بأوجه عدة.
قال بلند الحيدري في يوم من الايام ان بث الروح في اي لفظ في القصيدة لا يتعلقبالابداع وانما بقدرة الشاعر على ان يجعل من هذا اللفظ يليق بالمقطع او البيت الشعري, ونرى ان بعض الالفاظ تعد غير شعرية , اذ لا يستخدمها الشعراء لكنها استخدمت فيبعض الابيات ولا يحتاج البيت الى غيرها من اجل اكتماله.
واشتهر عبد الرزاق عبد الواحد بتعريف الفعل , فيما اشتهر الجواهري باستخدام الهمزةالجزرية , واشتهر المتنبي بالاكثار من لفظ “أنا” دلالة عن الاعتداد بنفسه , وهكذا دواليك , لكن قاموس النواب الشعري تفرد في احياء بعض الالفاظ التي كان من الممكن ان تنقرض , حيث يقول في قصيدة
دك راسك براس العرس
واصعد مرادف للدف
ايام المزبن كضن
تكضن يايام اللف
هيلك صلف .. كلش صلف
تلني ولحس بعراني
شحرك يبو عكال الترف
دك غفوتي ووعاني
من وزمان شوك مياسمي
ومامش نده بغدراني
—–
وفي نفس القصيدة يستخدم لفظ “غرشة”
الدنيا غرشة وصم تتن وتدور بينه ونلتف
ايام المزبن كضن
تكضن يأيام اللف
——
واكثر مظفر النواب من استخدام اسماء الفواكه وحببها الى المستمع في قصائده مثل : يامشمش ايام الله .. بضحكة غينيك
ترنم بالقران فروحي عربية
أو : تفوح بدفء مراهقة بدوية
يكتض حليب اللوز بنهديها
وانا تحت النهد إناء
أو : لتوازن بين الحب وبين الرمان
أو : صنعتني أمي من عسل الليل بأزهار التين
—–
وبقي مظفر يستخدم بشكل متواصل لفظ : وطن” وفي معظم قصائده , نادرا ما تجدقصيدة للنواب لا تتضمن لفظ “وطن” او “وطني” , حتى ذهب الى ان يقارن الوطن بحاله , كلاهما غريبان بسبب سياسات الدكتاتوريات الشمولية التي انقلبت على من سبقهالتأخذ زمام الحكم , وحولته الى سجن كبير
في قصيدة ” قراءة في دفتر المطر” :
يا وطني وكأنك في غربة
وكأنك تبحث في قلبي
عن وطن أنت ليأويك
نحن الاثنان بلا وطن يا وطني
—–
فضلا عن الالفاظ الجارحة التي تأنف منها الذائقة العربية مثل : القحبة , الخصية , اللواط, وغيرها والتي وصف بها الدكتاتوريات العربية والتخاذل العربي , وكذلك الجمهورالعربي , حيث يقول :
ما أوسخنا
ونكابر ما أوسخنا
…
يقولها وهو يقف امام الجمهور , ويجلد الذات وسط تصفيق عارم من الجمهور الذي يحسبالتقصير , وبطولة المكاشفة التي تحدث صدمة شخصية عند كل مستمع.
وفي قصيدة النواب في اللهجة العراقية كان له قاموس يخصه لم يسبقه له غيره , حيثسمعنا كلمات كنا نتجادل حول معناها , اخرها ما دار من نقاش لي مع احد الاساتذةالمتخصصين باللغة حين القيت محاضرة حول جانب شعري لمظفر النواب , وكنا ينبحثفي معنى “خيط السمج”
من قصيدة روحي ..
روحي
ولا تكلها شبيج
وانت الماي
مكطوعة مثل خيط السمج روحي
—-
كان هناك وجهة نظر في خيط السمج , حيث يظن البعض انه الخيط الذي يربط معالسنارة , وهذا رأي جائز , بيد ان الرأي الاخر هو الخيط الذي يشكله الماء بعد رفع السنارة , وهو سرعان ما ينقطع ولا يبقى بفعل الجاذبية.
وهناك الفاظ مثل : اجوتلك مخدتي , جرس نتل فرحة وكاحتنا, روحي تباعة ذهب
حدر السنابل كطه , وكثير غيرها لم يذكرها سوى مظفر في قصائده , واستطاع انيستخدم الفاظا لم يعتقد الاخرون انها ستقع في بيت شعري مطلقا مثل لفظ “كاشي” وهوالبلاط حيث يقول :
يا حزن ياريت اعرفك
جنت اسويلك حديقة ياسمين
وممشى من “كاشي” الفرح كدام بيتك
—–
ولا اعتقد ان شاعرا شعبيا استخدم لفظ “كاشي” في قصيدة من قبل. بيد ان الشاعراستطاع ان يبث بها الروح في بيت شعري جميل.
كما رسم مظفر صورا شعرية من خلال كلمات يدفع القارئ والمستمع للتخيل مثل لفظ“شليل” وهي منطقة وسط الجسم واللباس الذي يرفعه المرء كي يجعل منه وعاءً منالقماش يحمل فيه ما يريد , ويذكرها الشعراء كناية عن الحضن وخلط الشوق بالمحبة , يقول مظفر مستخدما “الشليل”
والشته شال شليله من يمنه عبر
وسألته عنك يا شته العشاك ما منك خبر
—–
وفي موضع ثاني يذكر الشليل :
وحكك عينك أحط الروح عل الساري
وأفل الحسره بشليلك
وأشوفك أزغر أسراري
وأفك الشبكه من أبعيد أغلى شراع
أشبكك شبكة النسمات للنعناع
ليش الروح يامدلول يمك تنشره وتنباع
—-
بحزامك
مفاتيح السوالف
وانت تدري ضيعينا الباب والمفتاح وشراعك شليل الليل
يحجي للمسج سالوفة القداح
—-
وافرش لك بالعتبة شليلي
وثوبي الأسود
يفتك حزنه
ويفرح نيلي
—-
الشليل هو ذات الشليل , بيد انه في كل مقطع يرسم صورة محبة تحيلنا الى مأثورناالجنسي أو العشق التأريخي الذي نتداوله على استحياء.