الورقة المختومة  أيام عمان  الجزء 10

الورقة المختومة أيام عمان الجزء 10

كان هاجس سعد وهو مُسَمَّر على الكرسي في مطار بغداد الدولي صحيحا. عندما صرخ بصمت

راحت ندى

راح رعد

وكان لدى ندى ايضا هاجسا ملحا هذا الصباح حين غادرت البيت الى المطار وهي انها قد تمنع من السفر اوان يتعرض لها رجال الامن لهذا قررت ان تترك الرسائل التي كتبها رعد الى اصدقائه في بلغاريا وفيهااسمائهم وعناوينهم اضافة الى مفكرة فيها ارقام هواتف واسماء  اصدقائها في العراق وبضمنهم رعدوسعد. تركت هذا الكنز الذي كانت المخابرات تواقة للعثور عليه في حقيبتها حين صادروا حريتها، تركته فيالبيت دون ان تخبر احدا حتى جنان اختها القريبة اليها جدا، حفظت فقط رقم هاتف المسرحي جواد الاسدي  صديق رعد الذي يسكن في بلغاريا.

كانت خيبة مكتب التحقيق كبيرة حين لم يجدوا في حقيبتها غير جواز السفر وادوات المكياج.

بعد اختفاء ندى لم بكن لسعد و جنان خيار الا التحرك وبسرعة.

غادرا المطار في اتجاهين مختلفين.

جنان الى بيت اهلها لاخبار والدها احد اكبر التجار في بغداد بخبر القاء القبض على ندى في المطار. كانلوالدها السيد ممتاز علاقات واسعة مع ضباط ذو مناصب مهمة في الشرطة، كانوا يتلقون منه مبالغ هائلةمقابل تسهيل معاملاته التجارية وصفقاته الكبيرة.

وبدأ السيد ممتاز بالاتصال بهم فور ان عرف ماحصل لابنته.

تم الافراج عن ندى وكان شرط دائرة المخابرات ان توقع تعهدات كثيرة من ضمنها ان تعمل وكيلة للامن وانتقدم تقريرا اسبوعيا عن تحركات الاشخاص الذين تعرفهم من اصدقائها واقاربها.

قال لها ضابط المخابرا ت المسؤول عنها ببساطة وبوضوح ودون اي انفعال:

شوفي اني مااعذب ، مااقلع اظافر واعلق بالسقف، مااحط احد بحوض تيزاب لان مااحب رائحته

اني اقتل ( ووضع مسدسه امامه )

عندي سلطة وتخويل من فوگ. الشخص اللي مايقبل عرضي ما يستحق ياخذ نفس ولو لثانية.تعترفين علىمجموعتك وتكتبين تعهد براءة من حزب الخونة ( يقصد الحزب الشيوعي) وتشتغلين ويانا وكيلة تطلعينبدون خدش، ترفضين

اجيب اهلچ كلهم واحد واحد بضمنهم السيد الوالد بضيافتي الشخصية. واذا جبتهم هنا مراحيطلعون الا الى مشرحة الطب العدلي، من هسه كاتب اسباب وفاتهم. الخيار الچ

قال الكلمة الاخيرة وهو يضرب المكتب بيده بقوة جعلت ندى ترتجف.

كان صوته كافيا لبث الرعب فيها.

لم تكن ملامحه وبنيته تشي بانه رجل امن حسبما كان متخيلا في ذلك الزمان

كان يبدو كاستاذ جامعي حين يلقي محاضرته امام الطلاب لايستطيعون الا الاصغاء الى كل حرف يقوله.

كان صوته وايقاع حديثه اشد وطاة على ندى من لحظة وقوعها في فخ رجال الامن في المطار.

قدم لها سيجارة

لاتخلين هذي تكون آخر سيجارة بحياتك

وقعت ندى على كل الاوراق التي قدمها لها ضابط المخابرات.

و تم اخلاء سبيلها. خرجت من معقل الموت مهشمة.

اخبرها والدها عن الوشاية التي ادت الى انتظار رجال الامن لها في المطار.

عرف الحقيقة عن طريق اصحابه في الشرطة.

كان مهند شقيق ندى يمتلك متجرا للمواد الغذائية يساعده في ادارته شخص من اعز اصدقائه واسمه توفيقالاخرس. والاخرس لم يكن لقبه العائلي، كان اخرس فعلا يتكلم لغة الاشارة. كان قريبا جدا الى مهند فيالعمل وخارج العمل. كان توفيق محبوبا لدى الجميع وخصوصا عائلة مهند. يذهب الى بيتهم وكأنه واحدمن العائلة. يعرف كل تفاصيل حياتهم وعلاقاتهم، حتى انه كان يذهب مع مهند الى الجامعة حين كانت ندىتحتاج الى توصيلة بالسيارة الى البيت، تعرف على اصدقاء ندى واثار اعجابهم بذكاءه وذهب اكثر من مرةمعهم الى مقهى كانوا يرتادونه كثيرا في الوزيرية.

مالم يعرفه اي منهم ان توفيق لم يكن مجرد فقط شريك في ادارة متجر للمواد الغذائية ولكنه كان يعمل فيالمخابرات ايضا تم تجنيده للكشف عن الخلايا اليسارية في جامعة ندى. وكانت ندى اول ضحاياه. عرف منخلال مهند موعد سفرها ووجهتها وجعل من مهمة رجال الامن في المطار يسيرة للغاية.

اما سعد فانه ذهب مباشرة الى مكتب سفريات في شارع السعدون واشترى تذكرة للسفر عن طريق البر الىدمشق. قرر سعد ان يسافر في ذلك اليوم دون تاخير.

حاول ان يذهب الى بيت جدي ولكنه لاحظ حضورا مكثفا لرجال ببدلات زيتونية دون رتب عسكرية. لم يغامروالغى الفكرة. كانت مفارز الامن في بغداد تصطاد اليساريين في حملة منظمة للغاية

احتاج سعد الى بعض المال والملابس للسفر. جاء اخيرا الى اعدادية قتيبة مدرستي وانتظر خروجي بعدنهاية الدوام لم انتبه اليه اولا ولكنه خطا خلفي وقال حين صار قريبا:

ابو حميد ( هكذا كان يسميني) لاتلتفت كمل مشيك ، اني اليوم راح اسافر. محتاج فلوس وملابس، روحللبيت واني انتظرك يم ساحة حبيب. لاتتاخر. گول لامي سعد راح يسافر للكويت يشتغل بمصافي النفطهناك.

كانت هذه هي مهمتي السرية الثانية

مضيت الى البيت اخبرت امي التي صعقت من الخبر ولكنها دبرت على عجالة بعض المال

ووضعت ملابس سعد في حقيبة صغيرة ووضعت علبة حلويات قديمة مدورة استخدمتها لحفظ اوراق سعدالرسمية وهوياته

اخذهن يمه وضمهن يم حبوبتك ( جدتك) خاف يجون الامن ويفتشون البيت

انطلقت بالحقيبة الى ساحة حبيب.

عند وصولي الى هناك وتاكدنا ان لااحد يراقبنا

جلسنا على مصطبة على حافة الساحة. اعطيت الحقيبة الى سعد واخذت منها علبة الحلوياتخزنةالاسرار.

اخبرني سعد انه سيسافر بعد ان ان اخذ الامن ندى وقال انه لم يستطع الذهاب الي بيت جدي لاخبار رعدبما حدث في المطار . وطلب مني ان اذهب الى بيت جدي لهذا السبب.

الامن منتشرين بالمنطقة، حاول تروح باچر

سيغادر سعد بغداد وهو لايعرف ان كان رعد سيستطيع النفاذ من قبضة المارد المحكمة

لم يستطع توديع ابي وامي وبقية العائلة.

انا الوحيد الذي حضر طقس الوداع.

جلسنا على مصطبة في انتظار الباص ، كانت حقيبته صغيرة مثل حقيبتي عندما غادرت العراق في عام١٩٩٤.

جلسنا لصق بعض في لحظة سجلتها الذاكرة وخزنتها في مكان ما في راسي الى الابد

كان من السهل فيما اتى من الايام والاعوام ان استرجعها وكأنني اعيشها وارى كل تفاصيلها، حتى رائحةالتراب تحت اقدامنا كنت اشمها، والالم من جرح الغياب كنت احسه حاضرا معي اينما ذهبت، وذلكالاحساس بانك طفل ترك لوحده امام شلالا من الخوف اغرقه دون رحمة. لم يكن هناك طوق للنجاة.

حين صعد سعد الباص اخيرا صعد معه قلبي وتركني جثة هامدة على مصطبة الوداع. كنت اشبه الجثثالملقية على طاولات التشريح التي كنا ندرس عليها مادة التشريح في كلية الطب. كانت تلك اللحظة اولمواجهة حقيقية لي مع الوداع. لم اكن مهيئا له. ولم يعلمني احد اية مهارة في التعامل معه.

ذهبت الى بيت جدي مباشرة واخبرت رعد بالتطورات الاخيرة. سال رعد عن علبة الاوراق التي كانت معي

قلت له

هاي بيهه اوراق سعد وهوياته امي گالت ضمهه يم حبوبتي

ماذا بامكان رعد ان يفعل؟

شل تفكيره وهو يفكر بطريقة للهرب من هذا النفق المطلم

هو عسكري هارب، ليس من حقه ان يسافر

كان الحق الوحيد المتاح له هو الموت.

في تلك الليلة لم ينم رعد وبكى لانه لم بستطيع توديع اخيه.

دخن كثيرا

حاول ان يقرا كي يستطيع ان ينام

وبينما كان يبحث عن كتاب للقراءة وجد علبة الحلويات التي جئت بها عند قدومي امامه.

فتحها.

وجد فيها هويتين لسعد واحدة صادرة من مصفى النفط والاخرى من نقابة المهندسيين. بالاضافة الى ذلكوجد رعد النسخ الزائدة من وثيقة السفر المختومة التي سرقها سعد من مكتب الصادرة والواردة:

يسمح للموظف في وزارة النفط سعد سلمان السفر خارج العراق للسياحة.

قبل رعد صورة سعد في الهوية ونام.

اما ندى فان والدها طمانها ان لاتعير اية اهمية لموضوع وكيلة الامن والتقرير الاسبوعي المطلوب منها.

محد اله حق عليچ بنتي بس خلص انت ويه السياسة شنو. جماعتي بالشرطة گالوا يحلوهه. بستقطعين اتصالك بكل جماعة الجامعة. انت لازم تتزوجين، هذا الحل الوحيد . الحقيقة الشرط الوحيد الليجماعتي فوگ نصحوا بيه. من تتزوجين بعد محد يطالبچ بشي. راح تكونين مسؤولة من رجال.

غير ان ندى لم تتعض من الدرس الامني الذي حضرته مرغمة. كانت تريد ان ترى رعد للمرة الاخيرة تحذره.

بعد يوم واحد فقط من اطلاق سراحها خرجت من البيت. ذهبت الى الكوافير وقصت شعرها الطويل وجعلتهقصيرا جدا. اخذت احدى عباءات امها واستعارت سيارة اخيها مهند ومضت الى بيت جدي. كان سعد قدكتب لها العنوان وكيفية الوصول سابقا تحسبا لأي طارئ

فتحت جدتي باب البيت

ها يمه منو

اني جدة وعانقت جدتي بسرعة ولم تعطها اي مجالا للسؤال ودخلت الى الحوش متظاهرة انها تعرفالمكان جيدا رغم انها اول مرة تاتي فيها هنا.

اخبرت جدتي همسا انها يجب ان ترى رعد.

محاصرا في غرفته بالطابق العلوي سمع رعد مذهولا صوت ندى

نزل مسرعا

ندى طلعتي

اي رعد ابوي طلعني يعرف ضباط كبار ساعدوه

وقعت على كل شي حتى اطلع.

انت لازم تطلع منا، لازم تسافر الى اي مكان

الامن اخذوا جماعتنا واحد واحد. انت مو عندك أقرباء بالبصرة ، روح هناك أأمن.

كان خالي عبد الحسين في الصالة

قال

صحيح روح يم خالتك تسواهن وبيت عمامك ( كان لاخوالي ابناء عم يقطنون البصرة).

عمك راضي يشتغل بميناء البصرة بمنصب مهم

اكيد يگدر يساعدك، اكو مراكب تروح من البصرة لليمن الجنوبي، يگدر يحطك بوحدة منها

خالي وين هاي الافكار كانت؟

احس رعد ان الدنيا اخيرا فتحت له بابا للنفاذ من هذا الاسر

يلله اني اوصلك للگراج هسه بالسيارة، بدل البس دشداشة وعگال ونطلع سوة حتى ماتنكشف

اقترحت ندى

وهذا ماتم فعلا

لملم رعد بعضا من ملابسه للسفر

استعار بدلة رصاصية من خالي عبد الحسين وحقيبة ساسمسونايت من خالي الاكبر سيستخدمها للتمويهفيما بعد ولمنح هيئته بعض الهيبة، وضع البدلة في الحقيبة وادوات حلاقة وفي اللحظة الاخيرة وقبل انيخرج من بيت جدي دس فيها علبة الحلويات القديمة التي خبأت فيها امي هويات سعد واوراقه.

غادر رعد بيت جدي سالما واوصلته ندى الى كراج النهضة.

خابرني باچر على البيت بين الساعة ٥٦ العصر، اسال عن والدي خاف التلفون مراقب، گولوصلت الطلبية للبصرة وراح تدز الفلوس الباقية بتاريخ اليوم اللي ترجع بيه بالساعة كذا. هذا يكون موعدرجعتك من البصرة اذا فشل موضوع السفر لليمن حتى انتظرك بالسيارة بالگراج. اذا عمك ساعدك وحطكبالمركب ومراح ترجع گول الصفقة ماتناسبك ومراح تدز فلوس.

الله وياك

صعد رعد الباص المغادر الى البصرة بحثا عن طريقة لانقاذ حياته المهددة. امله الوحيد ان يقنع عمه راضيبقصة المركب.

في بيتنا تسلل الحزن الى كل زاوية، ابي الصامت على فراش المرض. امي لم تتوقف دموعها منذ وضعتملابس سعد في حقيبة السفر. وكلما طرق الباب جفلت قلوبنا وكفت اجسادنا مؤقتا عن الاحساس بالحياة،واصابها الخوف بالشلل.

يتبع

(Visited 26 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *