هل ستغير الكتابة العالم اليوم؟

هل ستغير الكتابة العالم اليوم؟

تحقيق ثقافي

قحطان جاسم جواد

الكتابة اليوم باتت سلاحا يلجأ اليه من يعتمد الحوار وطرق الحلول السلمية في تغيير الواقع واستنباط البديل عبر مقترحات واراء كثيرة ربما تتطور لتحل بدلا من الواقع السائد. وهناك الكثير ممن يلجأ الى الكتابة او اللغة المكتوبة والمرئية والمسموعة ليعبر عن افكاره.وفي ذات الوقت هناك من يعتبر ذلك بطرا او ترفا للتغيير المنشود. لا بل منهم من يعتبر الكتابة عدوا مارقا. في هذا التحقيق سألنا مجموعة ادباء (هل ستغير الكتابة العالم اليوم) فماذا كانت الاجابة.تعالوا اعزاءناالقراء لنلج الافكار بحثا عن الاجابة

هناك من يرى في الكتابة عدوا مارقا

يقول الناقد الكبير حاتم الصكر:- يبدو أن العالم لم يرضَ بالحلول التي تقترحها الكتابة لأزماته حتى تلك الجمهوريات والمدن الفاضلة، وصورة الإنسان الكامل، وخيالات إخوان الصفا، وآلات الزمن والسفر الحر فيه، فثمة في الميدان متبارون أكثر فتكاً وإغراء، الفتك بقوة الهيمنة والتسلط، والإغراء بما تتغلف به من جماليات وتقنيات. في النهاية أجد أن الكتابة تتغير وتغير نفسها داخل حدود الكتّاب وكتبهم وسيرورة التاريخ المكتوب. هي تغير عالمَ (ها) حيث تهمشت شيئاً فشيئاً كفعل مؤثر. فلم يبق سوى اقتراح الطرق الممكنة للنجاة من السقوط في التكلف والتطرف، وإطلاق نداءات العدل والحرية. لذا يوجد في العالم (الآخر) اليوم من يرى في الكتابة عدواً مارقا.

لاامل بتغيير العالم بالكتابة

ويقول الروائي سعد سعيد:

لا أعتقد بأن للكتابة أي أمل بتغيير عالم اليوم، وأنا لا أريد أن أنتقص من الكتابة التي لم تغير العالم ذات يوم فحسب، بل كان ظهورها هو الأساس الذي جعل عالم اليوم ممكنا، ولكن مع ذلك فقد خسرت الكثير من مواقعها للمستجدات التي حدثت مع تطور هذا العالم، فأنا أعتقد بأن الأشياء التي يمكنها أن تغير بالفعل هي المصالح الاقتصادية الكبرى والسياسة وارادات القوى الكبرى، وطبعا آفاق التطور العلمي الذي يزداد ايقاعه باضطراد.

الكتابة مرآة العقل وثمرة نضجه وسلامته

في حين اشار الدكتور الفيلسوف والكاتب طه جزاع :- يبدو السؤال وكأنه يستفزك لأن تقول ” لا ” بسرعة ومن دون تفكير، قياساً إلى الوضع الإنساني الراهن ، وما يشهده من تراجع لدور الكلمة والكتابة في تغيير عالمنا نحو الأفضل ، بسبب غياب سلطة العقل ، وشيوع سلطة الخرافة ، وسيادة منطق القوة الغاشمة على منطق الحق والعدالة ، وعودة الإنسان إلى الكهوف العرقية والقبلية المظلمة ، والعصبية والتطرف ، بدلاً من خروجه إلى العالم الفسيح ، حيث الآخر المختلف ، والثقافة المختلفة ، والحضارة التي غادرت كهوفها البدائية منذ حقب تاريخية بعيدة ، وذلك كله مدعاة لليأس وربما الكآبة الشديدة التي تدعوك لأن تقول ” لا ” من دون تردد.

غير أن وقفة متأنية ومنصفة عند هذا السؤال الموجز- العميق تدفعك هي الأخرى لأن تقول ” نعم ” بقوة واصرار ، فما النشأة الأولى للكون غير الكلمة ، وما أداة البشرية التي ارتقت بواسطتها من مصاف الحيوانية إلى سمو الإنسانية غير الكتابة التي هي مرآة العقل وثمرة نضجه وسلامته ؟ . إن مهمة الكتابة والفكر والفلسفة تتلخص في ابقاء الإنسان متيقظاً – وفق تعبير برت راند رسل – وقادراً على التخلص من المعتقدات القطعية الدوغمائية الجامدة ، لذلك فأن الكتابة في عصرنا الراهن تزداد أهمية وخطورة وهي تؤدي دورها التنويري وسط هذا الظلام الدامس ، مثلما يتعاظم دور الكاتب المسؤول الذي يعيش الواقع المرير ، لكنه لا يتخلى عن الأمل ، ولا يدع الآخرين يتخلون عنه أيضاً ، وهذه هي مهمة الكتابة الأسمى ، أن تخلق أملاً للإنسان ، وتنقذه من الوقوع في براثن اليأس والقنوط ، وتمد له طوق النجاة ، وتعزز ايمانه بدوره المؤثر الخلاق في المجتمع والحياة

التغيير يحتاج خطوة عملية

وقال الروائي علي الحديثي:- رغم أنّ السؤال مرتبط بـ”اليوم”، إلّا أنّها مسألة لا يمكن حصرها بزمان معين، فهل غيّرت الكتابة بالعالم يومًا؟ ومن خلال تجاربنا الحياتية، وما قرأناه وسمعناه، أجد أنّ التأثير النسبي في تغيير العالم لا يتناسب أبدًا مع حجم ما مكتوب، فالفرق شاسع بينهما، وأنا هنا أتحدث عن التغيير لا التأثير، فكثيرًا ما تأثرنا بالكتابات، ولكن من دون جدوى، لأنّ التغيير يحتاج إلى خطوة عملية على أرض الواقع، وهذا الأمر بحاجة إلى عقل متحرك غير جامد، وإلى شجاعة من القارئ الذي تأثر بما قرأ، وهذا ما لم نره إلّا القليل جدًّا، وربما أقلّ من القليل

الثقافة بنت الحضارة

وقال الكاتب محمد غازي الاخرس:- الكتابة فعل عظيم ومؤثر، والثقافة عموما هي التي بنت الحضارة. بالنسبة لمفهوم التغيير، هناك نوعان منه: تغيير مباشر يحتاج سلطة، سياسية او اقتصادية او عسكرية، وهناك تغيير غير مباشر وهو الذي تقوم به القوة الناعمة، والكتابة جزء منها. بهذا المعنى لا أعتقد أن الكتابة تغير العالم، ولكنها تسهم في رفع الوعي بشكل تراكمي وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تغيير العالم. كل تطور قيمي ومعرفي وكل تحضر ورقي في المجتمعات لو بحثت عمن سببه ستجد أن الكتاب والمثقفين في طليعتهم، لكن تأثيرهم بطيء وغير محسوس وأحيانا يكون بطيئا جداً، خصوصا في بلداننا التي تحكمها أنظمة سياسية متخلفة وقيم اجتماعية تحتقر الثقافة ولا تؤمن بجدواها. لذلك الكثيرون يرون أن الكتابة فعل عبثي ولا يؤثر قيد أنملة في التاريخ وسيرورته.

                               

(Visited 7 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *