صائب غازي
غالبا ماتكون الأعمال الدرامية العربية المشتركة لها أهمية كبرى فهي تكتسب خصوصية في مخاطبتها للعقل العربي المركب بعوامل مختلفة من الثقافات واللهجات والطبائع لكنها في النهاية تخاطب المشتركات بين تلك العوامل ، هذه المرة ليست العوامل وانما العوالمة وأقصد المنتج الأردني طلال العوالمة المدير التنفيذي لمجموعة المركز العربي الإعلامية جمع تلك المشتركات وصبها في قالب واحد ليقدمها في قالب درامي من الهموم العربية تتعلق بقضية خطيرة وهي اللجوء في ظل كورونا ذلك النزيف الجاري بلا توقف لكل ما هو عربي (الأنسان ، الهوية ، الثقافة ، الفنون ، العلوم ، الرياضة … الخ من مكتسبات عربية) كلها ترحل عن جذورها غير عابئة بما سيجري من متغيرات جذرية على الأنسان العربي
هذا الموضوع المهم تم بلورته في مسلسل جديد اسمه (ذهب أيلول) يجري تصويره حاليا في العاصمة الأردنية عمان الذي قال طلال العوالمة عنه (إن أحد أهم عناصر نجاح الإنتاج التلفزيوني يكمن في القدرة على التقاط الأحداث الراهنة التي تترافق مع التغيرات الكبرى التي تمر بها المدن والمجتمعات فتنعكس على حياة سكانها وتغير أفكارهم وربما مصائرهم ، مثلما حدث مع جائحة كورونا مؤخراً مما يخلق فرصة تاريخية مهمة لالتقاط ما هو راهن وتحويله إلى حكاية درامية مشوقة ومليئة بالاحداث)
(ذهب أيلول) حرص كاتبه محمد عريقات والذي شاركه فيه مجموعة من الكتاب أيضا على أن يحكوا لنا حكاية إنسانية من ظلال وباء كورونا وهي التفاتة مهمة أن يتناول عمل عربي درامي هذه المرحلة المفصلية من ذروة حدث أستثنائي غير من نمط حياة البشر وغير من سلوكياتهم وحتى تفكيرهم بسبب المعاناة التي أودت بحياة الناس وعرضت الكرة الأرضية كلها الى الخطر لكنها كانت اشد وطأة وأكثر فتكا بمن لا يملكون ملجأ حقيقي وهم اللاجئون العرب وبالتحديد السوريون في مخيمات اللجوء التي يركز عليها الكاتب في المسلسل
إذ انهم وإن يلتقون بنوع من البشر تتفتح فيهم براعم الحب والتعاطف الإنساني والمواقف المشرفة إلا أنهم أيضا يواجهون نوعا آخر من البشر دواخلهم مليئة بنزعة الاستغلال كتجار البشر الذين يسلبون اللاجئين آمالهم في العيش بكرامة فتمتلئ السياقات الدرامية للأحداث بصراعات مختلفة بين الأنسان و الأنسان من ناحية وبين الإنسان والوباء من ناحية أخرى فيقدم حكاية اللاجئ الذي يرفض أن يكون الضحية وذلك بإيقاع درامي شيق وجريء يتجاوز الأطر التقليدية حول قضايا اللاجئين ويضع في حسبانه قضية الوجود الأزلية المتمثلة في صراع قيم الجمال مع الشر
نص المسلسل محبوك بحرفية عالية فقد تم الإعداد له لمدة سنتين وهو يتناول تفصيلات كثيرة تتحدث عن مخيمات اللجوء والتعاطي بشكل واقعي ورمزي مع قضية اللاجئين منها الطعام والمشرب والمسكن خصوصا داخل الخيم التي لاتحميهم من برد ولا ولا تقيهم من حر ، وأيضا التعاطي مع قضايا خطيرة كالاغتصاب والاستغلال الجنسي أو المتاجرة بالفتيات المغلوب على أمرهن ويتصدى العمل لكشف الحقائق وإدانة مهزلة الضمير الأنساني في مواقع عدة والتي يبلورها صوريا مخرج العمل الأردني حماد الزعبي الذي درس وتخرج في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد عام ٢٠٠٣ بقيادته المحترفة وطريقته المثالية في التعامل مع النجوم بحضور مهني متميز ومعالجات صورية وموضوعية سوف تقدم للمشاهدين وجبة شهية مثيرة للجدل
أحداث ذهب أيلول تتحرك في محاور عدة متداخلة فيما بينها حسب سياق الأحداث وترتبط بخطوط منها أجتماعية وسياسية وانسانية تتعلق بحياة الأنسان العربي في كل من الأردن والعراق ولبنان وسوريا ومصر بمشاركة فنانين ونجوم من تلك الدول جسدوا شخصيات المسلسل ، من سوريا مرح جبر ، شكران مرتجى ، دانة جبر ومن الأردن ساري أسعد ، شاكر جابر ، علي عليان ، لونا بشارة ونبيل كوني ومن العراق ميثم صالح ، جلال كامل وأسماء كمال ومن مصر الفنان حامد مرزوق ومن لبنان عمار شلق ، إيلي شالوحي ونور صعب وفنانين اخرين كثر
المشاركة العراقية اخذت مساحة واسعة في العمل ولها حضور فاعل ودور محوري مهم الممثل العراقي الفنان ميثم صالح والفنان جلال كامل يؤديان دور تاجران أحدهما يعمل بنزاهة ويجسدها ميثم الذي وان كان يؤدي دور شخصية معقدة ومركبة إلا انها إيجابية بينما التاجر الآخر يجسدها جلال كامل وهو التاجر السلبي المتورط في عمليات غسيل أموال وتجارة مشبوهة وقد خص الفنان ميثم صالح صحيفة المستقل بهذا الرأي حول أهمية المشاركة العراقية في المسلسل (أي عمل درامي عربي يشارك فيه ممثل عراقي فهي مسؤولية وتحدي كبير لإثبات الذات أولا ولتقديم رسائل إيجابية ثانيا كوننا نعتبر انفسنا سفراء نمثل العراق فنحن لا نقدم انفسنا بل نقدم اسم بلدنا العراق وهذا العمل قد اضاف لي الكثير من النضج الفني والمعرفي وكان حضور الفنان العراقي فيه متميزا ومهما)
كما يرى ميثم صالح (أن تلك المشاركة العربية في موضوع مهم كهذا يعد ظاهرة صحية حيث يلتقي الفنانين العرب من جنسيات مختلفة لمناقشة الواقع المأساوي لعلهم يسهمون في تقديم معالجة ولو جزئيا لمعاناة الأنسان العربي)
فهل حقا سوف يقدم ذهب أيلول أفكار ومعالجات تلامس حاجة الأنسان العربي المقهور واللاجئ في مخيمات اللجوء أم سوف ينقل لنا عدوى الكورونا بدون علاج ننتظر ونرى ولنا عودة بعد العرض