علاء الخطيب
الموت حتمية وجودية، كلنا نتذوقه يوماً ما ، ربما تزداد الأرقام عند بعضنا وربما تقصر فـ ” كل نفس ذائقة الموت” ، لكن الفرق بين الميتات هو ما يخلفه الإنسان بعد موته، وقد سعى الإنسان منذ وجوده على هذه الارض خلف الخلود والاستمرار ،
وما التكاثر إلا صورة من صور الخلود، لكنها صورة عمومية يتشارك بها الجميع، فهناك سعيٌ آخر هو التفرد في صناعة الحياة من اجل الخلود ، ولعل ما تحدثنا به اسطورة ” گلگامش ” في التاريخ العراقي تعكس حالة البحث عن الخلود وبقاء الذكر المستمر .
البعض يرى ان الموت يضع نهاية للإنسان وهو صحيح من الناحية المادية ، لكن من الناحية المعنوية الموت هو مرحلة من مراحل الحياة ، فالإنسان بعطائه ونتاجه يمكنه ان يضيف إعماراً لعمرة المادي ، فهناك اعمار افتراضية يخلقها الإنسان بعمله ، فقد جاء في الأثر « إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث .. علم ينتفع به أو صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له » فلو تأملنا في هذا الحديث لرأينا ان الخلود يكمن في النتاج الصالح للإنسان ، ففي المواضع الثلاثة هناك تأكيد على ماينفع المجتمع .
واهم مقومات العمل الصالح والمفيد هو الإخلاص والنبل.
قبل ايام قليلة فقدنا صوتاً شجاعاً وروحاً نقية ، ورمح شامخ ، وكلمة حرة ، وروح صادقة ، سخر ما يمتلك من قوة متاحة لوطنه وشعبه ، كان يمتلك الكلمة ، فسخرها دون ان يبالي من سيقف ضده، او ماذا ستكون النتائج ، ودون ان يحسب حسابات الربح والخسارة في تصديه للخطأ .
كريم بدر الحمداني ذلك الرجل الحالم بالحياة والعاشق للحرية والمتحرق حباً على ارضه ، حفر في ذاكرة العراقيين نموذج الإخلاص للوطن فحصد محبتهم .
لم يكن سوى مواطن محب لوطنه ، مخلa ص لقيمه ومبادئه ، عازفاً عن دنس السياسة .
مات كريم بدر ، و رحل عن عالمنا المادي ، لكنه ترك إرثاً راقياً ونموذجاً نقياً .
لم تنصفه الحكومة ومسؤوليها ، لكن العراق نصفه ، بوقفة ابنائه وهم يودعونه الوداع الأخير .
كريم بدر درس يجب ان نتعلمه في الإخلاص والوطنية ، درس يقول لنا ان الخلود ليس بالمال او الخيانة. وليس بالموقع والمنصب ، وليس بالهالة المصطنعة ، وانما بالإخلاص والصدق .
موت النبيل هو حياة تخلدها ذاكرة الشعوب .
رحمك ايها الصديق والأخ القريب والروح المتعالية عن دنس الدنيا وزينتها.
نعم قرير العين ايها النقي النبيل .
وسأردد ما قاله احمد شوقي
” دقات قلب المرء قائلة
له ان الحياة دقائق وثواني
فاغنم لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ٌ ثاني
