محطات في الذاكرة
(فرقة المسرح الفني الحديث…لها فرع في البصرة!!)
قصي البصري أنموذجآ……
الكاتب المسرحي : كافي لازم
مؤسف ان تكون هذه الفرقة العريقة قد غادرت المشهد المسرحي لفترة طويلة بعد أن خسرت بنايتها(مسرح بغداد) العريق ورحيل روادها الأوائل مع أن الأمل باق لا سيما بهيئتها الجديدة التي تشكلت قبيل رحيل الرائد الكبير سامي عبد الحميد والتي طرقت كل الأبواب لإيجاد بديل لها عن مسرح بغداد……
بعد أن توسع نشاط الفرقة في بداية السبعينات وتلاحم الجمهور الكبير مع ما تطرحه من فكر انساني عميق يتوافق مع حالة النهوض الثقافي في تلك الفترة والمتمثل في عروض تخاطب الحالة المجتمعية للعقل الشعبي بأطار جمالي يدعو إلى السلام والمحبة وضمن منهج الفرقة الذي اختطته بنفسها على يد روادها الأوائل الذين أسسوا لنهضة مسرحية عراقيه جديدة .. لهذا أرتأت الفرقة تأسيس فرعا لها بمحافظة البصرة الفيحاء والتي كانت تعج بحركة ثقافية كبيرة تلك الأيام المتمثل بنشاط منظمات المجتمع المدني ك(نادي الفنون ) الذي كان اكثر نشاط في نشر الفكر اليساري الثوري ونادي التضامن الذي أصبح فيما بعد نادي جميعة الاقتصاديين كذلك النشاط المدرسي .
تلقت الفرقة دعوه لعرض مسرحية الشريعة في البصرة من قبل أبرز فنانوا المحافظه وهم عبد الإله عبد القادر ، قصي البصري ، عصام سالم ، حافظ البصري ، عبد الامير السلمي ، فلاح هاشم ، ياسين النصير ، ابراهيم ابو الهيل ، خالد ياسين وبتنسيق مع عضو الفرقة لطيف صالح..هؤلاء هم نواة تأسيس فرع الفرقة بأسم (جماعة البصرة للفن الحديث ) والتي ضمت بعد ذلك الشاعر علي العضب والمطربة سيتا هاكوبيان والشاعر ابو سرحان والملحن حميد البصري والمطرب فؤاد سالم ، الفنانة شوقية العطار ، الملحن طالب غالي ، الفنان ضياء البصري ،عباس مجيد ومحمد سعيد الصكار ، عبد القادر احمد و أم لنا ، هؤلاء البصريون الذين لهم البصمة الكبيرة في تاريخ الحركة الفنية البصرية .
استقبل الفرقة الشخصيه البصرية البارزة الراحل مزهر الشاوي مدير الموانئ العراقية ولقد سخر لهم سيارات الدائرة للتنقل مع وليمة عشاء كبرى في بيته و من هنا انبثقت الفرقة وسميت جماعة البصرة للفن الحديث . وقد عرضت المسرحية في بهو البلدية الذي افتتح حديثا كما عرضت الفرقة مسرحية( نفوس ) اعداد وإخراج الراحل قاسم محمد بنفس الاستقبال والحفاوة من قبل السيد مزهر الشاوي والجمهور البصري الطيب ثم عرضت جماعة البصرة للفن الحديث مسرحية( المفتاح ) تأليف يوسف العاني وإخراج لطيف صالح وقد حضرها جمهور عريض وبالاخص الطبقة العاملة بعد الانتهاء من عملهم حضروا بملابس العمل مع (السفرطاس) الخاص بغذائهم كما حضر العرض محافظ البصرة انذاك سعدي عياش عريم كذلك أعضاء الفرقة الرواد الذي أتوا من بغداد ، كما قدمت الفرقة و مسرحية (ليالي الحصاد ) اعداد عبد الإله عبد القادر إخراج قصي البصري ومسرحية( العروسه بهية ) اعداد عبد الإله عبد القادر وإخراج قصي البصري والتي قدمت على مسرح بغداد عام ١٩٧١م .
مسرحية(ايام زمان ) اعداد عبد الخالق جودة إخراج قصي البصري ومسرحية ( المدينة المفقودة ) تأليف قاسم حول إخراج قصي البصري ومسرحية (المؤسسة الوطنية للجنون) تألبف سميح القاسم إخراج قصي البصري وقد اشترك جميع أعضاء الفرقة في هذه المسرحيات ….
قصي البصري _ أنموذجآ
أسمه قصي محمد ناصر واسمه الفني :قصي البصري ولد عام ١٩٤٢م في مدينة البصرة محلة (الصبخة) لاب يعمل موظف بسيط و والدته تعمل في خياطة الملابس وعمل في المسرح وهو طفلا في مسرحية (عروس في المزاد) عام ١٩٥٨م تأليف محمد فخر الدين إخراج أخيه الأكبر توفيق البصري . تخرج من معهد الفنون الجميلة ١٩٦٥م تعين مشرفآ فنيآ في مدرسة الجمهورية النموذجية وهناك التقى بصديقه وزميله الملحن طالب غالي وقدم لوحات راقصة تستمد أفكارها ومحتواها وفحواها من البيئة البصرية الزاخرة بالجمال والزهو من حيث الأشكال المتعددة في مباني المدينة والعادات والتقاليد البصرية الجميلة . وبعد عام ١٩٦٣م اعتقل مع مجموعة من الشيوعيين وسجن لمدة سنتين في سجن نقرة السلمان وسجن بعقوبة الذي تعذب فيه كثيرا حيث تعرض لأقسى حالات التعذيب والضرب والتنكيل حيث كان مأمور السجن هو نفسه الذي كان يعذب مؤسس الحزب فهد (يوسف سلمان) في العهد الملكي المباد .
بعدها عاد إلى وظيفته والتقى مع زملائه في بيت الشاعر محمد سعيد الصكار في منطقة (البريهه) وقد اقترح الصكار فكرة عمل أوبريت (بيادر خير) وموضوعها ينصب في هجرة الفلاحين المخيفة في نهاية الستينات من الريف إلى المدينة بعد أن تركوا مناجلهم ومساحيهم واتجهوا إلى المعامل والمصانع وأصيبت ارضهم بالجفاف وقسم كبيرا منهم اشتغلوا في المطاعم والمقاهي وحمالين في السوق وكثير من الأعمال الرثه مما قلل من شأنهم وأثرت على سنابل الارض التي يبست وتصحرت. وقد حضر الاجتماع كل من قصي البصري ، طالب غالي ، ياسين النصير ، علي العضب. وكلف الأديب ياسين النصير بكتابة السيناريو وكتابة الشعر الشعبي من نصيب الشاعر علي العضب كذلك الشعر الفصيح الذي مثلته الفنانه سيتا هاكوبيان أما لوحة (الول لوة) فهي للشاعر علي سرحان وتوزيع الفنان حميد البصري وتصميم وتدريب وإخراج قصي البصري وكان الأوبريت بطولة فؤاد سالم ،شوقيه العطار،عبد الاله عبد القادر،قصي البصري ، عبد الامير السلمي ، طالب غالي ،ضياء البصري ،ابراهيم ابو الهيل ،عباس مجيد وأم لنا .قد عانت هذه الفرقة بعدم وجود مكان ثابت للتمرين ، مرة تمرنوا في نادي الاتحاد الرياضي في البصرة القريب من سينما الحمراء الشتوي في ام البروم ومرة في المدرسة التطبيقيه واخرى في قاعة التربية في العشار وقد حضر التمرين يوما السيد محمد سعيد الصحاف في نادي الاتحاد الرياضي الذي يعمل فيه الفنان الرائد توفيق البصري الأخ الأكبر للفنان قصي البصري وقد انبهر بالعرض وجماله وفكرته وقال لهم اريد ان تقدموا هذا العرض في بغداد بمناسبة ثورة تموز وفعلا جمعوا أغراضهم ورحلوا إلى العاصمة وقدم العرض في قاعة الخلد وسجل تاريخ بولادة فن جديد هو المسرح الغنائي . حضر العرض الكثير من الأدباء والفنانين وشخصيات حزبية من حزب البعث والحزب الشيوعي حيث كانت بدايات تشكيل الجبهه الوطنية .كذلك حضرها وزير الثقافه انذاك السيد صلاح العمر العلي واعضاء فرقة المسرح الفني الحديث يوسف العاني ،سامي عبد الحميد، ناهدة الرماح وزينب وفي نهاية العرض صافح الوزير و الصحاف العاملين بالاوبريت مهنأين بالنجاح وطلبوا مقابلتهم في الوزارة وفعلا تشكل وفدا مكون من قصي البصري ،علي العضب ،شوقية العطار وأم لنا وقد طلب منهم الصحاف البقاء في بغداد وتوفير شقق لهم و رواتب ليقدموا فقط الاوبريتات الا أنهم رفضوا ذلك وقال قصي البصري للصحاف: 《عندما نأتي ستفرضون علينا مواضيع محدده بينما نحن الان نعمل بكل حرية 》 ضحك الصحاف وقال: (على راحتكم) …
أن حب الجماهير لهذه الفرقة اخذ يتسع لاسيما انتشار جهاز التلفاز في المنازل والمقاهي فضلا على أن هذا الأوبريت قد إضافة نكهه جديدة غير معتادة لدى المتلقي العراقي أضف إلى ما يحمله من فحوى ومعاني اجتماعيه بالإضافة إلى ما يتضمنه من رقصات وأغاني جميلة ابدعوا بها شعراء وملحنون تركوا بصمتهم الكبيرة في فترة السبعينيات الزاخرة في النشاط الأدبي والثقافي والفني والوعي الجماهيري كما أن وجود الفنان فؤاد سالم الصاعد حديثا إضافة نوعية لهذا الأوبريت.
بعد رجوع هذا الفريق الفني المتمكن أصروا على الاستمرار رغم الظروف القاهره من عدم وجود الدعم المادي واللوجستي لكنهم كانوا يحملون فكرا نيرا وارادة حقيقة وبأيمان كبير بأن ما يقومون به هو واجب فكري وأخلاقي لتوعية الجماهير والسير بها نحو التقدم والحضارة . عملوا عدة عروض لكن المحطة الكبرى كانت أوبريت (المطرقة) تأليف علي العضب ألحان طالب غالي تصميم وتدريب وإخراج قصي البصري توزيع حميد البصري وابطالها أعضاء الفرقة .
ويحكى أن بعض السواح الروس وهم يتجولون في العشار بالقرب من مكان التمرين وسمعوا نغمات من نشيد عالمي عمالي وقد استأذنوا ودخلوا لمشاهدة التمرين واستمتعوا بالعمل وسهروا مع الفرقة بشرب (العرق) العراقي .
حقيقة اختيار الفنان المقتدر قصي البصري لهذا الفن الصعب الذي يحتاج إلى قيادة (كونترول) للسيطرة على المجاميع من المطربين والراقصين والموسيقيين والممثلين للوصول إلى فن جمالي مؤثر . قد نجح في ذلك نجاح باهر ولا شك أن الروح التضامنية مع رفاقه الفنانين وحبهم لمحافظتهم وبلدهم العراق وحصرهم على تقديم افضل ما يكون أعطاه زحمآ كبيرآ.
ذهبوا إلى بغداد بعد أن اتفقوا مع السيد محمد سعيد الصحاف على عرض العمل في قاعة الخلد أيضآ وحضر العرض النائب صدام حسين ومجموعة من الوزراء وقادة الدولة و وزير الثقافة والصحاف وكان النائب صدام حسين معجبآ ومنبهرآ بالعرض وطلب حضور الفرقة أمامه وقال الصحاف إلى صدام حسين (البصاروه لديهم طلب) فقال : (فليتفضلوا)
قال قصي :(نحن بحاجة إلى ٤٠٠ دينار لكي نؤجر نادي الفنون )
ضحك صدام حسين وقال:(سيكون لكم ذلك) وبعد مغادرته قال الصحاف لقصي (لك اكو واحد يلتقي بالسيد النائب ويقول له نحن محتاجين ٤٠٠دينار )
قال البصري:(وماذا تريد ان اطلب منه )
قال الصحاف :(دكله اريد أربعة الالف او أربعين ألف )
قال البصري:(نحن أهل البصرة لا نعرف الكذب على الناس)
قال الصحاف مازحا:(اني شكد شايف سرسرية مثلك سريري ماشفت)وهو يضحك
بعد هذا اللقاء اجتمع النائب صدام حسين بالكوادر الاعلامية والفنيه الرسمية و وبخهم وقال لهم بالنص《رأيت عرضا جميلآ للشيوعيين قدموه مجانا وانتم نصرف عليكم الاف الدنانير لم تستطيعوا أن تقدموا مثلهم》.
بعدها انتقل العاصمة بغداد وأسس شركة الشمس للإنتاج التلفزيوني والاذاعي وطلب من المخرج التلفزيوني الكبير صلاح كرم أن يكون مديرا مفوضآ للشركة وانتمى لها المخرج الكبير حسن حسني والفنانة الكبيرة د. إقبال نعيم والراحل خليل الرفاعي وقدموا بعض الأعمال الفنية للأطفال واشترك في مسرحية (السوق) للمخرج الكبير محسن العلي بديلا للفنان المقتدر صلاح مونيكا وعمل في الدراما التلفزيونية كممثل مايقارب في خمسين مسلسل دراما .قد حصل على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية وبعد حالة التغير في العراق عام ٢٠٠٣م غادر البلد لسوء الأوضاع الامنية بعد أن هددوا أولاده الذين يعملون في مجال الفنون والاعلام وهو الان حاملا الجنسية الأمريكية يتوق لرؤية بلده ومحافظته العريقة (البصرة).