د. رقيق عبد الله
كاتب و مفكر جزائري
أن مفردات التقدم و التخلف الثقافي التي يتحدث عنها الكثير من متلبسي الاشتغال فيالحقل الثقافي، لم يدركوا أننا نعيش حالة من التصدع المتجاوز لتلك المفردات المتعمقة فيفهم الثقافة بمقاربة انثروبولوجية مكتفية بتوصيف سلوك الإنسان و نمط عيشه، والحقيقة أن الثقافة فعل و أثر ديناميكي في سيرورة التاريخ لتنتقل الثقافة من مفرداتالوجود الساكن إلى صيرورة الوجود الفاعل، و من اشكاليات التدقيق الاقتصادي والاجتماعي الى عزم المعنى و القيم المساندة لعلو الفعل الفردي و المجتمعي.
أن الثقافة ليست صفات اجتماعية أو سلوكات إنسانية فقط كما رسخت لهاالانثروبولوجيا. إن المفهوم الفاعل للثقافة يتجاوز ما يطرحه المثقف الاجتماعي حولالمضمون أو التصحيح الثقافي أو تثبيت الهوية الثقافية إلى فاعلية الفعل الثقافي الذييعتمد على مفردات القيم و الابداع و تجديد الهوية لتخرج الثقافة من سكونهاالانثروبولوجي الذي رسخه مثقفي المراحل و الاجتماع، الاشتغال و التثبيت مسايرينالبنى الاجتماعية الخفية من عصبيات و أصولية و ذات قاهرة إلى فضاء الفعل و ما تركهالإنسان من تواجد في التاريخ عمران و علوم، اثر و عقلانية.
فالثقافة التي تتمسك بالبنى الاجتماعية الخفية و لا تستطيع رؤية العالم بشكل فاعلللفعل الثقافي من عزم للمعنى و الرمز كذا القيم الرافعة للفعل الإنساني فهي ليست ثقافة.
علينا تحرير الفعل الثقافي من المفهوم الانثروبولوجي التاريخي الجامد إلى فعل له أثرفي التاريخ فمن خلال تغير الفعل الثقافي يتم تغيير المجتمع، فالتغيرات الاجتماعية هيتغيرات ثقافية في أصلها
فالفيلسوف الألماني نيتشه حين طرح إن الإنسان الحديث ليست له ثقافة، يمكن أن يدعيأنها ثقافته لأننا نملأ حياتنا بعادات غريبة عنا نستخدم فنونا وفلسفات وديانات وعلوماكلها أشياء لا تخصنا، اننا نستخدم ونسيء استخدام التاريخ. نهضم الماضي ونجعلهيملأ رؤوسنا وعقولنا لكي نبني به حاضرنا وحضارتنا. فالتاريخ عبء ثقيل مميتلحاضرنا ومستقبلنا. و أضاف إن التعليم بصفة عامة يعطينا معلومات ثقافية، لكنه لايثقفنا كما يجب. الإنسان المتعلم حسب مفهومنا، هو الإنسان الذي يحفظ الكثير منالمعلومات، بدون أن يحيا حياة جمالية روحانية.
لقد كان نتشه يبحث عن الثقافة النوعية التي هدفها لا يتحقق في نهاية الزمن، وإنما فيالوصول بالإنسان الآن إلى أعلى المراتب، إذا كان للإنسان أية قيمة فقيمته تقع في الأعمالالثقافية التي ينتجها عباقرة و مفكري عصره، لا مفكرون ومفسرون ومشايخ من عصورسابقة يشتغلون على معالم البنى الخفية و الصوارف الثقافية التي صرفت فعل الابداع.
أن فاعلية الثقافة النوعية ليست على مستوى التصورات و أنماط مستوى الفعل، المختزلفي المنفعة و الأداء كذا الفئة و إنما هو فعل مؤثر يصنع المخيال الاجتماعي الجمعي.
فالمجتمعات التي تاخذ بإرادتها إمكانية الدخول الى حلقة التاريخ تحتاج أن تعي فهمالبنى الخفية و الصوارف الثقافية و تنتج أفكارها و من ثمة متخيلاتها الاجتماعية التيبدورها تتحول إلى نمط حياة، فيكون الفعل الثقافي فاعل يخرج المجتمع من سكونه وثبات بنيته المعرفية و الثقافية إلى مجتمع أكثر ارتباطا بالفعل الإبداعي و افكار المخيالالمنتج…… يتبع