مظفريات
37
محمد السيد محسن
منذ قصيدة “وتريات ليلية” – الحركة الاولى , والتي تنبأ بها مظفر النواب ان الوضعالعربي سيلتحق بالخراب , حيث ان القضية ترتهن الى مقدمات هي من تحدد النتائج , وقضيتنا العربية والتخاذلات المتوالية , وتقدم الاعداء علينا وسيطرتهم على اراضينابشكل متقادم , منذ تلك النبوءة التي خص بها الشاعر امته , واستقراءات المشهدالسياسي والميداني لا تخرج من دائرة التقصي والتطبيق .
كان مظفر استقرأ ما تشهده الامة من خذلان بسبب مواقف اصحاب القرار , فقال في نهايةالحركة الاولى من قصيدة “وتريات ليلية” :
لن تتلقح تلك الارض بغير اللغة العربية
يا أمراء الغزو فموتوا
سيكون خرابا
سيكون خرابا
هذي الامة لا بد لها ان تأخذ درسا في التخريب
—-
كان مظفر في هذا المقطع وما قبله في الحركة الاولى يحمل قادة الشعوب العربية الخذلانوالخنوع , وهذا ما سيجر الى الخرب , وما هي الا اثنتي عشر عاما حتى دخلت قواتالصهاينة بيروت , فيما كان العراق قبل عامين من احتلال بيروت , قد دخل في حرب حمقاءعلى جبهته الشرقية , اعترف صدام حسين بعد سبع سنوات انه كان قرارا خاطئا , لانها–الحرب– كانت مؤامرة لاخفاء الجانب الخير في ايران والهاء العراق عن البناء والتنمية .
وحينها كتب مظفر في قصيدة “من بيروت” مستبطنا ما يجري في لبنان من فوضى عارمةزرعها الصهاينة قبل ان ينسحبوا من بيروت ويستقروا في جنوب لبنان :
ما أقبح الفقر حين يدافع
يا أيها الفقر هاجم
وأعلنها علنا أنني عالم بالوثائق والسندات
وهو واقف في الخراب
أرى الانتهاك يراقبني
والدويلات ترفع أعلامها الطائفية مزهوة
نفذوا سندا واحدا والباقي جيرة
إن هذي النبوءة قد عذبتني
ولست أقول سوى عاشت الشقق الملحقات بندب
ويعقوب راقب بنيك
لقد دخل العقم هذي المتاهة
—-
لقد قرأ مظفر الطائفية كوسيلة صهيونية وغربية لتشتيت وحدة الشعوب , لأن بالدينوحده من الممكن ان تفرق الشعوب , فلا تتفرق بالقومية ولا بالاعراق , بيد ان الخلافاتالدينية وارتهانها الى التاريخ المحتقن , وقدرة العرب على تأسيس قداسات على خلفيةدينية هو ما يجعل الطائفية مثل الحطب الذي يزيد النار لهيبا فلا تستقر امة ينخر بيوتشعبها وشوارعها ورؤية ساداتها الطائفية.
ومضى مظفر في خوفه ونقل هذا الخوف عبر قصائده , حتى انه كان قال عام 1984 فيصافيتا قرب دمشق أنه يقرأ الغيب , ونقل عبر قصيدته ما يشبه احداث العراق اليوم , فكتبمناشدا العراقي وبلده العراق قائلا :
علىٰ أيُّ جُرحٍ تَشدُّ الوِثاقا
وأيُّ القُبورِ تريدُ عِناقا
وكلُ الّذي حَولكَ الآنَ مَقبرةٌ
هٰكذا أمةٌ تَتَلاقىٰ
تَنادتْ فلمّا إنتَضىٰ فارِسٌ سَيفهُ
ذَبَحتهُ إِتفاقا
وأوجَعُ من قاتِلٍ يَمسحُ المُديةَ
أنَّ القَتيلَ يَموتُ نِفاقا
—-
أنا أقْرأُ الغَيبَ
إنَّ الغُيوبَ يُشِرنَ
وقدْ ضِقْنَ ذَرعاً عِراقا
ستَنفجرُ الكائِناتُ بما أُقْحِمَ الصَدرُ
منها جَحِيماً فَضاقا
أَرىٰ هُولةَ الحِقدِ تَحفُو القُبورَ
تُقلِّبُ مما تَجُوعَ المَذاقا
تَشمُّ اللحُودَ لتُوقِظَ عَظماً
ليومِ القَصاصِ وكَفاً وسَاقا
ولَحماً بما قَطَّعوهُ تَماسَكَ
صَبراً وزادَ إلتِصاقا
سَيقتَحمُ الهَولُ أقبيةً رُصَّ
فيها الدَمُ البَشريُّ زِقاقا
—–
انها رؤية الشاعر الثاقبة التي تستعيد السبق مهما طالت السنون وتناست الشعوب , حيث ان العراق ومنذ عام 2003 والى 2014 عانى من القتل الانتقائي وسرت عدوى القتلالى مدنه وتعدتها لتصل سوريا التي حطمها السلاح المؤجر , واموال العقال العربي , وسرت شهوة الفوضى الحدود حتى وصلت لبنان والى حد ما مصر , بيد انها في اليمنفاقت حدود العقل , وسط تواصل النكسات العربية والخنوع.
وفي مقطع اخر من قصيدة “من بيروت” رسم مظفر النواب بعض ملامح الاضطرابالعربي حيث قال :
كنت أرى جثثا يصرخ الصمت والنهب فيها
كنت أرى إمرأة تستباح وتنهب
والطفل يرضع في صدرها
كان يلعب في الإلتصاق
ولكنهم بتروا راحتيه وعانوا بصرخته
شجر بالحليب نما
حملت موزة كل أجراسها فوق بيروت
كان المسيح على النهر يغسل صلبانه
إغسلوا كعبة اللّه أيضا من الأثمين
—-
اذا كان كل هذا الخراب قد حدث باسم الدين فالاولى هو غسل صلبان المسيح وغسل الكعبةمن ادران المتشددين والمتصيدين والمعتاشين على الدين , تلك هي الوسيلة الانجع كي يمكنلهذي الامة ان تتخلص من صبيان السياسة الذين ارتدوا لحاهم كي يستدرجوا فقراءالشعوب ويزرعوا في قلوبهم القداسات والرعب اذا تمت مخالفة ارائهم.
هذا جل ما نعاني منه في العراق وما الت اليه الساحة السورية واللبنانية واليمينة , وتمتهنه كثير من اللحى المستوردة في تغليف الحقائق بالدين كي يسهل النظر اليها , وكي تغلق كل الابواب الوطنية ولا يبقى من الوطن سوى ثقوب الطائفية والقداساتالمزعومة كي ننظر منها , انها محنة جديدة زرعها المحتلون الجدد , او الساسانيون الجددفي وطني الكبير وبلدي العراق .