صاحب خوام
أُطفأت الأضواء في القاعة ورُفع الستار والأصح سُحب الستار الى جانبي خشبة المسرح ، عمّ ظلام حالكثم انفتحت على المسرح بقعة ضوء بشكل دائري، نظرتُ أمامي وحولي لايوجد جمهور في القاعة، أنا فقطفي الوسط وسيدةٌ شاهدتُ انها كانت تُقطّعُ كيكة صُنعٌ بيتي وتنظّم وضع الصحون على طاولة صغيرة بجانبها، أنا وهي الجمهور فقط .. تحرك الممثلون وابتدأت المسرحية، بعد دقائق قليلة دخل ثلاثة اشخاصواستقلوا كراسٍ ثلاث في وسط القاعة ، عرفتُ منهم الاستاذ مهدي سميسم وآخران لم أعرفهما ، ليس اقل منساعتين، عرض متواصل، دهشة وانبهار، اول مرة اشاهد شيء كهذا، مسرحية، بعد العرض تحلق جميعالحاضرين ممثلين وعاملين بجلسة دائرية ودار حوارٌ أغلب الكلام فيه للضيفين اللذين لم اعرفهما فيما كانتقطعُ كيكة ام ميساء تدور على الجميع ،كان ذلك عام ١٩٧٢ وكان ماشاهدتُ هو البروفة الاخيرة لرائعة توفيقالحكيم السلطان الحائر التي اخرجها الاستاذ مهدي وكان الشخصان الآخران ،حسب ماأخبرني هو رحمه اللهقبل سنتين، هما استاذيه الكبيرين حقي الشبلي وابراهيم جلال وقد اشادا بالعرض وبأداء الممثلين ايماإشاده..
حالفني الحظ فكنت مع جوقة الاولاد في مسرحية قصر الشيخ التي اخرجها لاحقاً ثم كانت له ملاحظاتوتوجيهات في اعمال اخرى شاركنا فيها .. بعد ظهور نتائج السادس الاعدادي وقبولي في كلية الهندسةعاتبني عتاباً شديداً ان قد تركت التقديم على أكاديمية الفنون الجميلة،
هنالك اشخاص يعيشون بيننا وعندما يرحلون نشعر ان هناك حديث كثير لنا معهم كان يجب ان يتم، أسإلة،نقاشات مؤجله، ربما لإحساس مغلوط خفي في داخلنا أنهم لن يموتون لأن حرفتهم ومنذ بداية مشوارهمانهم يصنعون الجمال، وهكذا كان ابو ميساء، ادركناه منذ الصغر يقدّم مايبهج ويدهش، حضرتُ الكثير منبروفات مسرحياته منذ القراءات الاولى وحتى البروفة الاخيرة، نشط يتفجّر حماس، كموج هادر يعلو ويهبطوسط قاعة التمرين، يركض فيعلو خشبة المسرح فيمسك بيد هذا ويسحب ذاك، يقرأ حواراً لهذا ويمثل مشهداًلآخر ثم يهبط قافلاً الى القاعة يستقل مقعداً ويراقب، في لحضة ينفجر صارخاً كمجنون فيعم المسرحالسكون، أحب عمله فكان جاداً فيه حد التقديس، لم يقدم عملاً هابطاً قط، شعب لن يموت، السلطان الحائر،قصر الشيخ، حكاية الرجل الذي لم يحارب، ابو الامين الخليع والجارية شموس، الجلاد والمحكوم بالاعدام،ملحمة الحب، واخرى كثير .. أخبرني رحمه الله انه انجز كتاباً عن تاريخ المسرح النجفي يحوي الكثير منالاسماء الوثائق والصور النادرة وعجبتُ منه حين استأذنني بنشر مايتعلق بوالدي كونه من رواد المسرحالنجفي ولهما تاريخ طويل مشترك فأخبرته ان هذا من دواعي فخري وشكري .. لابد من متابعة موضوعالكتاب من المختصين واظهاره الى النور خشية ضياعه كما حصل كثير ..
رحم الله العم والاستاذ المبدع الكبير مهدي سميسم .. وفد على رب كريم …