علاء الخطيب
في ساعات الصباح الاولى من الشهر التاسع ذات عام ، كنت استعد للذهاب لمحطة جديدة ، أكاد للتو ان افتتحها في حياتي ، لأستقل قطاراً ، لم اعرف عنه شيئاً ، في عربته الاولى كنا نجلس في مقاعدنا ، ننتظر دخول المدرس ، وكنا ننظر لبعضنا البعض ، نريد ان نتعرف نكتشف ارواحنا في الاخرين ، وقعت عيناي على زميلي الذي كان جالساً إلى جانبي ، فابتسم بوجهي ، وعملت الكيميا بيننا منذ تلك اللحظة ، لم تكن اعرف اسمه ، حتى سألنا المدرس في حصته الاولى عن اسمائنا ، فأجاب زميلي ” اسمي “محمد رضا ” وكنا ندعوه ” رضا ” .
أشبال صغار في قطار المتوسطة في مرحلتها الاولى ، استهوتنا كرة القدم مع اصدقاء اخرين ، فتوثقت علاقتنا خارج المدرسة، وراحت تتعمق اكثر وأكثر .
ومرت السنين فأنشأنا فريقاً لكرة القدم ، وصرنا نتواصل باستمرار ، وتجمعنا كأخوة ، كان ” رضا الشيخ راضي “ الشاب الذكي الحصيف ، الهادئ .
يضفي علينا جواً من الألفة والحميمية ، بسيط في طباعه ، طيب القلب ، جميل الروح ، معطاء بلا حدود ، ينثر الحب دون مقابل .
كانت حياته رحلة جهاد شاقة تنقل بين البلدان وهو استاذ الرياضيات اللامع ، للبحث عن لقمة العيش الكريمة ، في ايام الحصار الجائر بسبب السياسات العبثية للنظام السابق . رجع لبلده ليبني حياته من جديد . وبدا كعادته وعصاميته ، ان يعتمد على نفسه واصبح ولده الكبير شاباً ودخل كلية الطب وبنته الكبرى اصبحت استاذة جامعية ، وراحت الحياة تبتسم له ، لكن كما يقال “الحلو ما يكملش ”
كنت قريباً منه وهو قريب مني، وهو بمنزلة نفسي ، ودارت الايام والقت السياسة بآثامها علينا وتفرقنا زماناً ثم عدنا بعد غياب طويل .
منذ رجوعي لارض الوطن كان صديقي وشقيق روحي لا يفارقني ، و حين تطأ قدماي ارض مدينتي كان اول من اتصل به ، فأجده مسرعاً ، بعد ان يتصل بالأصدقاء الآخرين ليجمعهم لنلتقي ،
كنت سعيداً ، بتلك الساعات التي نقضيها معاً في شقتي المتواضعة، وذات يوم نزل علي خبر كالصاعقة ، عندما اخبرني احد الأصدقاء، ان رضا. قد أصيب بالمرض الخبيث ، زرته مرات عديدة وجدته صابراً حامداً ، لا يظهر الملل او الجزع.
وتدهورت صحته ولم يستمتع بما صنع ولم يمهله القدر ان يرى كما يرى الآخرون .
كانت محطته الأخيرة وهو يفكر بمن حوله ، متناسباً مرضه .
رحل رضا ، رحل الإنسان النقي ، رحل وهو يحمل الحب ، رحل وترك لي دريان لا تنسى منذ ان ركبنا معاً قطار المتوسطة ، رحل دون آكون إلى جانبه لأودعه ، نعم كلنا نرحل وكل نفس ذائقة الموت،
رحل ليركب القطار الأخير الذي لا رجعة فيه .
مهما تعددت المحطات… كثرت أو نقصت فإن المركب مستمر بالتحرك والتنقل من محطة إلىأخرى… ويبقى ان اسأل نفسي هل أنا محظوظ إن كنت ما زلت من ركاب المركب بدون الأحبة ، ام ان وحشة الطريق ستؤلمني .
لكن لابد لي ان اتذكر ان الصداقة ليست البقاء مع الصدیق، ولكن الصداقة ھي البقاء على العھد والصديق الحقيقي ھو من یذكرك في دعائه.
فسلام عليك ابا الجواد وانت في منزلك وسأبقى حافظاً لودك ودائم الدعاء لك .