د. عدنان الميالي
الدستور العراقي النافذ لعام ٢٠٠٥ احيانا خَطِر واحيانا في خَطَر ، خطورته تنبع من عدةاعتبارات
اولها : باعتباره من الدساتير الجامدة ، كما ان العديد من أحكامه أجوف ، ولا يؤسسسوى أبسط المبادئ والهياكل ويترك كل التفاصيل للتشريعات التي يقرها مجلس النوابعبر مقترحات تقدم من قبله او مشاريع قوانين يقدمها مجلس الوزراء لمجلس النوابلغرض تشريعها، على الرغم من أنه ليس من غير المعتاد أن تركز وثيقة دستورية علىالمبادئ العامة ، فإن الدستور العراقي عابر وسطحي في السماح للبرلمان بتحديد شكلالهياكل الحكومية الأساسية (المحكمة الاتحادية العليا ، ومجلس الاتحاد الخ) مع القليلمن الإرشادات.
ثانيا : ان هذا الدستور لم يوضع من اجل المستقبل بل وضع من اجل تقليب اوجاع الماضيحسب ما جاء في الديباجة ، فهذا الدستور يذكر الجميع بالمنبوذية السنية والمظلوميةالشيعية والمغبونية الكوردية.
ثالثا: تكمن خطورة الدستور انه لم يوضع لحكم واضعيه بل وضع لخدمتهم وذلك لانالمشرع هو ذاته الفاعل السياسي المهيمن على العملية السياسية وبنيّ على مراعاةالتوزانات السياسية وضمان المصالح الجهوية ولم يضع المشرع في هذا الدستور محدداتوتفصيلات تجعل من وضع الدستور احترامه طالما انه لايعدل، وهنالك من يقول انه لايحترم الدستور الا بعد ان يعدل!
رابعا : خطورة الدستور ايضا تتجلى في كل مفرداته التي تشير الى مكون او مكوناتفانها تقف حجر عثره ضد الوطنيه والمواطنه، وتستغل في كل انساق الفعل السياسيالعراقي، اما الخطورة التي يواجهها الدستور فهي
اولا : لم يشر الدستور الى ان تشكيل الحكومة يجب ان تكون توافقية بين المكونات بلبالعكس اشار الى حكومة تتألف من النصف +١ من اعضاء مجلس النواب دون ان يحددمن اي مكون او فئة .
ثانيا : يكمن الخطر الذي يحيط بالدستور نفسه، من علوية سلوك القوى السياسيهلصالح التوافقية وليس للدستور الذي لم يشر الى هذه المفردة خاصة في سياقات تشكيلالحكومة والرئاسات الاخرى بل اشارة الى التوازن بين المكونات في مؤسسات الدولةوهنالك فرق بين التوافق السياسي والتوازن الوطني.
ثالثا: من المخاطر المحدقة بالدستور بان الاولوية عند القوى السياسية ليس للقوانينالدستور بل للقوانين الاعتيادية ومن يحرص على بناء دولة عليه انجاز القوانينالدستورية التأسيسية وهي اكثر من (٦٠) قانون أشار لها الدستور بعبارة ( وينظم ذلكبقانون)، تم التغاضي عن معظمها ، وتم تجاوز حتى سقفها الزمني.
رابعا : اهم الاخطار التي يواجهها الدستور هو انتهاكه علانية مرارا والتجاوز عليه تكرارا، دونما محاسبة والسبب هو التوافقية والشراكة والمحاصصة فحينما يشترك الكل فيالسلطة والحكومة لايصبح هنالك مجالا للمحاسبة بل كل طرف يمسك بمخالفات الطرفالاخر وهكذا يضرب الدستور عرض الحائط .
هنالك فرصة الان تتجلى ليكون الدستور في مأمن ولو بشكل مؤقت وهو تشكيل حكومةاغلبية مقابل معارضة قوية تراقب اداءها، هنا سيحترم الدستور وتضطر الحكومة الىتطبيقه، والمعارضة الى الاحتكام والاحتجاج به لتقويم اي انحراف حكومي.
سيناريو انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لولاية ثانية عبر حصوله على٢٠٠ صوت قد يؤشر ولادة اغلبية عابرة للطائفية والمكونات يمكن ان تؤسس لمرحلة جديدةمختلفة عما سبق في الاداء والرقابة واحترام الدستور والقانون حينما نخرج من عنقالمحاصصة والتوافق والشراكة الى افق حكومة اغلبية ومعارضة برلمانية بناءة، ومعامتعاض قوى الاطار التنسيقي على ذلك ، لكن على الجميع ان يخبرهم ان هذا ليسصحيحًا و أن من المشكوك فيه بدرجة كبيرة أن تكون المشاركة في أي حكومة أفضل من عدمالمشاركة.
اخيراً اقول : دستورنا خَطِر لكنه ايضا في خَطَر، من كثرة من لايريدون تطبيقه او احترامهوتأويله وفقا لمصالحهم الجهوية والخاصة.