الورقة المختومة الجزء ١٨ د. احمد مشتت

الورقة المختومة الجزء ١٨ د. احمد مشتت

احسست وانا في الباص ان كل بغداد القت علي سلاما اخير تعاطفا مع هذا المسافر العنيد. الناس والبنايات والاشجار والشوارع طبعت على جبهتي قبلة لدرء الوحشة بعيدا.
تغير مزاج المسافرين بعد ان ترك الباص الازدحامات في مركز بغداد و بدأ يشق الهواء بسرعة عالية اعطتنا الامل ان هذه الرحلة هي حقيقة ولم تعد حلما طائشا.
سلام فتح كيس الطعام الذي بحوزتي
⁃ جعت وهو يستكشف محتويات الكيس من خبز وعروك وسلطة.
⁃ بعد ورانا طريق طويل
قلت بحكمة من اوهم نفسه انه سافر كثيرا
⁃ لاتخاف عدنا اكل يكفي اسبوع. امي ملأت الحقيبة اكل. احترت وين احط ملابسي. نظريتها ان الاردن غالية ولازم نحرص على فلوسنا.
قال سلام بينما كان الراكب في المقعد المحاور يتفرس فينا.
انتبهت اليه محاولا معرفة فيما اذا كنت قد قابلته من قبل.
⁃ العفو ( وخاطب الراكب الشاب سلام بالتحديد) احنا متشاوفين قبل؟
جرت رعدة في مفاصلنا انا وسلام.
من حسن الحظ انه وجه سؤاله الى سلام الذي يستطيع ان يقنع امه انه شخص اخر لو اراد.
⁃ ممكن بس مااعتقد ، بس فرصة نتعارف
استلم سلام قيادة الموقف بهدوء واردف:
رايح شغل ؟ سال الراكب الذي اكاد ان أُقسم انه مايزال يعتقد انه يعرف هذا الممثل المحترف الذي استمر ينقب في كيس الطعام
وين الخيار؟
قال سلام محاولا مغادرة بقعة الاستجواب والعودة الى قواعده سالما دون ان ينتظر اجابة مؤكدة من جاره عن سؤاله الاخير.
تفضل ويانا ودعاه الى وليمته الطارئة.
صدح صوت شادية من مسجل الباص:
_ مسافر مسافر
خايفة لما تسافر على البلد الغريب 
آه تنسى انك فايت في بلدك حبيب
تَدَخُل شادية انقذنا من فضول جارنا الشاب.
_ هذه الاغنية مفصلة عليك سلام. ليش ماخبرت زينب؟ سالت صديقي وانا افكر بالقلوب المنكسرة التي يخلفها الرحيل. القطيعة التي اجبرنا عليها مع من نحب.
_ عندما تختنق الحياة وتصبح مهددة في مكان ما يكون الحب ترف. قال لي مرة صديقي الطبيب البيطري الذي كاد ان يفقد حياته في دائرة الامن العامة.
_ لكن الحب هو المنقذ الاخير . حاججته في نقاش طويل وانا احاول ان امد له يد العون لانتشاله من نفق مظلم انتهى فيه بعد ان أجتاز نفق الموت بمعجزة.
_ ماخبرت زينب لان خفت عليهه. ماكان بقدرتي وداعها، وبعد مرض عماد ( لم يقل اختفاء عماد، حتى في لحظة الاعتراف الحميمة هذه لم ينس سلام اننا محاطين بغرباء كثيرين في الباص قد ينصتون الى همسنا ) كان لازم كل شيء يتم بسرعة.
كان سلام يريد ان يقول ان حياته المهددة اجبرته على اختيارٍ قاسٍ كان اهم ضحاياه الحب.
⁃ اني احب زينب. هذه حقيقة ساطعة مثل الشمس، يمكن حقيقتي الوحيدة.
ادلى سلام بهذا الاعتراف وفي صوته تسليم كامل ان حبه لزينب هو سلاحه الوحيد في هذه المعركة غير المتكافئة لانقاذ حياته المهددة.
لم يعترض احد من الركاب على اختيار السائق لاغنية شادية. لم يكونوا الان بحاجة لتذكيرهم بواقعهم الجديد. وثائقهم المختومة في جيوبهم مهدتهم لهذا الدور منذ لحظة مغادرة موقف علاوي الحلة.
انتهى سلام من وضع اللمسات النهائية هلى سندويتش العروگ والخيار وقبل ان يضع اي شيء في فمه، صدرت ضجة من المقعد المحاور له وسقط الشاب صاحب الاسئلة على ارضية الباص في نوبة صرع اذهلت الركاب.
لا اله الا الله صاح بعض الركاب وترك اخرون مقاعدهم للتجمهر حول الشاب في نية المساعدة.
نهض سلام وصاح بالجمهور
⁃ ابتعدوا عنه رجاءا اعطوه مجال يتنفس.
⁃ وانحنى لاسعاف الشاب محركا اياه بمهارة على جانبه وطلب مخدة او قطعة ملابس لوضعها تحت راسه لكي لاتتأذى وفحص فمه للتاكد ان لاشي عالق هناك.
⁃ الزمه زين ، چتفه قال مساعد السائق- اجي اساعدك عارضا عضلاته
⁃ نهره سلام: لا غلط المهم نخليه يتنفس ونحمي راسه. سيطر سلام على الموقف واثار فضول الجمهور من حوله على معالجة الموقف باحتراف كامل.
⁃ انت دكتور؟
سأل احد الركاب
⁃ لا بس هذه مبادئ اسعاف اولية. الكل لازم يعرفوها. حاضر سلام بالجمع بينما استعاد الشاب المصروع انفاسه تدريجيا وانتبه الى ان سلام اسعفه.
بعد ان استعاد الشاب وعيه بالكامل وعاد الى كرسيه، كتب شيئا ما في ورقة صغيرة، طواها ودسها بيد سلام بسرية تامة:
قرانا الورقة سوية:
⁃ شكرا جزيلا دكتور. اني تذكرت وين شايفك. مرة اجيت لمستشفى الكندي لردهة الطوارئ وانت عالجتني. ممنون لك رجاءا مزق الورقة بعد ان تقراها.
مزق سلام الورقة واسقط راسه على الكرسي وغفا.
يتبع

(Visited 31 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *