تنويمة كلب

تنويمة كلب

جمال العتابي || كاتب عراقي

 

إعتاد صديقي(ح) المقيم في إحدى المدن الألمانية، ان يتجول في المساءات الرخية، في الهواء الطلق حين تكون الأشجار ساكنة تحنو برفق على المارّة، يرافقه (لني)، كلبه الوديع المخلص الوفي، أينما يذهب أو يتبضع، في تلك الرفقة يجد(ح) مسرّاته الدنيوية الصغيرة، حد الألفة الوديعة مع (لني) .
صديقي وهو في مغتربه البارد، يحدثني عبر الهاتف بين الحين والآخر، وهو رجل مسكون بالحلم، لأنه شاعر، هادئاً أبداً، رقيقاً، وزميلاً مبهجاً، عذب اللسان منذ عرفته أيام الدراسة في الجامعة، ومضى بلا صخب ولاضجيج، نحو أرض الله الواسعة، منذ أربعة عقود، حين صار طعم أيامنا ملحاً بأفواهنا، والوطن جرّة لرماد الحرائق والحروب، وحدائقه مرتعاً للعواء.
يكلمني(ح) ليقدم لي حالات تعطي فهماً إنسانياً للعلاقة مع (لني)، كائن بمزاج عقلاني، يضحك، ويبكي، ويحزن، ويزعل، ويعرف مقدار الرعاية التي توفرها له عائلة (ح)، أنا كذلك تعرفت عليه، حين يتناهى لي نباحه الواهن، يريد أن يذكّر المارة بوجوده، وأنه يؤدي واجبه على ما يرام. هو الآخر لايشعر بالملل.
ذات مساء اتصل بي الصديق (ح)، وهو يتحدث بصوت خافت النبرات
– تبدو حزيناً ياصديقي، قل لي بصراحة، مابك؟ سألته.
جاءني الصوت متقطعاً هذه المرّة،
– نعم يا (ج)، أخبرني الطبيب، أثناء مراجعتنا لعيادته البيطرية صباح اليوم ان (لني) مصاب بالسرطان، وتوقف لسان الصديق عن الكلام تماماً.
حاولت أن أجد لغة أداري فيها صمت (ح) وقلقه، وأنا في خشية أن تصدر عني كلمة تستفز مشاعره، أو تستخف بالحدث، فكانت الكلمات محسوبة بدقة، تحمل الشفقة، لتخفيف الأسى العميق في صوته.
كنت على لهفٍ ان اسمع أخباره بعد أن مضت أسابيع عدة، لم نتحدث مع بعض، وأنا بشوق لسماع ما نحتفي به في كل مكالمة، نستعيد ذكريات (المدينة)، بالفرح والدعابة والمرح، لم يمهلني (ح) بعض الوقت للسؤال عن الصحة أولا، فبادر هو بالإعلان فوراً عن موت (لني)،
– كان يتألم يا (ج) في أيامه الأخيرة، ليس بوسعنا أن نغيث هذا الكائن، أو نخفف آلامه!! وليس من السهل أن يضيع منك كائن تعرف أوصافه، مقيم في بيتك، ينصت إليك في صحوك ومنامك! هنا في هذا البلدان يا صديقي،. تسمونها بلاد الكفار، قانون لحماية الحيوان، لا أحد يجرؤ على إلحاق أي أذى به، حتى وهو يواجه المرض المميت، لا يجوز إطلاق رصاصة الرحمة عليه، لوضع حدٍ لعذابه.
كان الطبيب المعالج أوصى بوضع نهاية لحياة(لني)، تقتضي زرقه بأبرة (تنويم)، إحذر!! لا يجوز عليك ان تقول (أبرة قتل) أو موت، وهكذا فعل الطبيب، ونام (لني) نومته الأبدية بهدوء، بلا صوت أو حراك!
– وماذا بعد سألت( ح)؟
– كنا ياصديقي على موعد مع الوفاء له، كيف ننسى الحديقة وسياجها، لأنه إلى جانب هذا السياج، كان كائناً يتلهف للقيانا، فزرعنا شجرة آس في المكان.

(Visited 7 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *