الصحافة

وسام رشيد

 

 

تجربة العمل في جريدة المُستقل كانت من اغنى التجارب الصحفية في حياتي المهنية، فالمؤسسة الفتية تتيح مساحة مختلفة من الحرية في كتابة النص الصحفي، مساحة لا توفر في مؤسسات اخرى بسهولة، وأمانة، وحيادية، مع خلق اجواء تنافسية وتقويمية بين افراد تلك الاسرة التي تشكل كادر اعداد الجريدة المتكون من اساتذة لديهم خبرة في صناعة الوعي، وصياغة الكلمة، وبناء الرأي الاقرب الى الواقع، بعيداً عن صخب الاعلام، ودسائس الكثير من منصاته، ومحاولات البعض منها ان تكون اداة لخنق الرأي، وتقويض فرص الابداع، لاهداف تتعلق بالاجواء السلبية السائدة الان في العراق والمنطقة بشكل عام.

انتقلت الصحافة في العراق عام 2003 من مرحلة الاضطهاد الثقافي والتسخير لكل ادواتها واشكالها لصالح رموز السلطة وجلاديها، الى مرحلة غير محسوبة من الانفتاح وما يمكن ان نطلق عليه بالانفلات في جوانب ومساحات كثيرة غير صحية وغير منضبطة بقواعد وسلوكيات الصحافة.
وفي ظل هذه الفجوة بين مرحلتي حكم نمت مؤسسات صحفية كانت ادوات للسلطة، وفي كثير منها ادوات لتدعيم منظومات الفساد والقتل والتجريف لمنظومة القيم الاخلاقية على مختلف الاصعدة، السياسية والدينية والاجتماعية، واستقطبت جيلاً كاملاً من الشباب الذي تأثر بسلوكيات غير مهنية، نابعة من مصالح فئوية خاصة، فعلّها مجموعة من الدخلاء على شرف المهنة وانت امتلكوا لغتها واساليبها واسبابها.

الفرق واضح في اعلام يساند قضايا الامة الاساسية، ويساهم في صناعة الرأي الصائب، اعلام مسؤول يحترم اولوياته، ويدافع عن كيانه، ويحافظ على مبادئ مهنته، اعلام ينتمي الى الرسالة الانسانية، ولا يحيد عن التزاماتها الاخلاقية والادبية، يشكل ظهيراً قوياً لشرائح المجتمع المضطهدة والمغصوب حقوقها.
وبين اعلام يساهم في ضيّاع مستقبل البلاد وجيله القادم بتلميع وتصدير الافكار والشخصيات غير النافعة، ليشكل خط صد يدافع عن اسباب التخريب ويساهم في وصول اصوات النشاز الى الساحة التي لا ينبغي ان تصل اليها لولا غفلة من زمن ملؤه الارهاب والقتل المجاني في شوارع بغداد وكثير من المدن العراقية، مما شكّل بيئة ضارة نمت بها مؤسسات وافراد امتهنت الصحافة لتكون تشكيلاً يعزز من مقوّمات السلطة، شأنه شأن الاجهزة العسكرية، وليكون بوابة تحتظن المتسلقين والدخلاء على مهنة المتاعب.

جسدت المُستقل وعبّر كادرها المنتشر في مختلف المدن المهمة في العالم- بغداد – لندن – دبي – واشنطن- وبعض المدن الاخرى في داخل وخارج البلاد، جسدت نمطاً مختلفاً في الاداء المهني، وبإحتراف عالي، وروحية تعامل تربوي من قبل الاساتذة والاسماء الكبيرة التي تقود صفحاتها.
المثال الشاخص لمنبر المُستقل يعني لك وعن تجربة امانة الكلمة والموقف، ومصداقية التحليل ورصانته، ولنا فيها دروساً اخرى سنكون جاهزين لفهمها في العام الثاني لعمرها والذي يبدأ بعد أيام.

(Visited 3 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *