د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
هناك الكثيرون لا يخطون خطوة واحدة في حياتهم اليومية دون متابعة الأبراج والفلك، ومعرفة يوم حظهم.
هل أنت منهم؟
أم على العكس من ذلك ، تعتبر كلام الأبراج لا قيمة له وهو محض هراء بَحتْ ؟.
معتقدات الأبراج قديمة قدم الإنسان , ومازال الإنسان يحافظ على إيمانه بها لسبب ما !
إن معظم المعتقدات الغريبة والدارجة التي نشهدها اليوم ( و منها الأبراج ) يرجع تاريخها إلى الأفكار التيراودت عقل الإنسان القديم الذي عاش قبلنا بآلاف السنين… الفكرة قد نشأت لتربط حظ الإنسان في الصحةوالمرض والحياة ببروج السماء الاثني عشر.
قد فشلت الأبراج في نيل أي إثبات علمي وثبت أن إمكانية التوقع عبر الابراج لا تتجاوز توقعات الصدفة كمافي بحث التوائم التي قام بها باحثون من جامعة جورج اوغست لـ 234 توأماً تم توقع أمور معينة لهم عبرالصدفة والإبراج وملاحظة مصداقية تلك التوقعات فاتضح أنها لا تختلف عن ما سيتوقعه المرء إذا أراد توقعأمر بشكل عشوائي من حيث نسبة التوقعات الصائبة.
إن الإعتقاد بالتنجيم ضار للغاية. على سببل المثال : سجلت اليابان انخفاضاً بنسبة 25% من الولاداتواجهاض 500 الف وليد في سنة توقع فيها المنجمون ان تكون سنة سيئة للنساء، وتحديداً عام 1966 فيمايعرف في الابراج اليابانية بسنة حصان النار، هذا اذا استثنينا الدمار الذي يلحق بالعلاقات، العمل،القرارات الشخصية التي تحدث في شتى انحاء العالم بسبب اعتقادات الناس بالأبراج وتخوفهم او عزمهمعلى اداء امور معينة بناءاً على تلك الاعتقادات.
قام ماك غريفي بدراسة على تواريخ ميلاد 16,634 عالم و 6,475 سياسياً ليبرهن أن ما أدعاه المنجمونبخصوص أن يكون المولودين “من برج العذارء” ضعيفي الشخصية هو ادعاء خاطئ.
هناك دراسة قامت بها مجلة Personality and Individual Differences
عام 2006 ،شملت 15000 شخص، لتكون نتيجتها أنه لا يوجد أي روابط بين تاريخ ميلاد الشخصوشخصيته.
لا يوجد مستند علمي لصحة التنجيم بالأبراج ! وإن صدق المنجمون بتوقعاتهم فإن هذا يعود لما يُسمىبتأثير فورير، نسبةً لعالم النفس بيرترام فورير (Bertram R. Forer) الذي تحدث عنه، حيث وجد أن الناسيميلون لقبول أي وصفٍ غامضٍ وعام قد ينطبق على أي شخص في هذا العالم على أنه وصفٌ موجهٌ إليهمشخصياً، مثلا،
“أنت شخصٌ مُحتاجٌ لتقدير الناس وإعجابهم، لكنك رغم ذلك تميل لانتقاد نفسك كثيراً، وفي حين أن لديكَشيئاً من ضعف الشخصية، فإنك قادرٌ على تعويض ذلك الضعف بشكلٍ عام، ولديك من القدرات الكامنةالكثير التي لم تستخدمها في صالحك بعد.”
الوصف الذي ذكرته هو كلام عام يمكن أن ينطبق على الجميع !
دعونا نفكر بالأمر، أليس الكثيرون منا يحبون أي يحوزوا تقدير الناس وإعجابهم؟ ومن منّا لا ينتقد نفسهحين يُخطئ؟ ومن أيضاً ذو شخصية كاملة بتمام جوانبها ولا تعاني من أي ضعف؟ وهل من أحد يستغل كلوقته وقدراته على مدار الـ24 ساعة في اليوم؟! وإضافةً إلى ذلك فإن الناس يميلون إلى تصديق هكذامعلومات تصفهم بغموض، وهذا ما فعله فورير في الدراسة التي أجراها على تلاميذه، حيث أعطاهماستبيانات فيها أسئلة عن شخصياتهم، وبعد أن أجابوا على الاستبيانات أخذها ولم يقرأها، ثم عاد وأعطىكل واحدٍ منهم نصاً شبيهاً بالذي كتبناه كمثال (جميعهم حصلوا على نفس النص) وطلب منهم أن يُقيّموامدى دقة تحديده لصفاتهم بعلامةً من 0 إلى 5، مُدّعياً أنه حدده صفاتهم بناءً على الاستبيانات، وقد أعطاهمعظم الطلاب علامة 4.2 من 5 في صحة انتقائه لصفاتهم (أي أن فورير كان على حقٍ في 84% من صفاتهمالتي كتبها في النص)، مع أنهم أخذوا جميعاً نفس النص وأن فورير لم يقرأ الاستبيانات!
كملخّص لما أريد قوله إنه لا يمكن لمجموعة من النجوم التي تبعد عنا مئات وآلاف السنوات الضوئية أنتتحكم وتسيطر بنفس الطريقة على العمل والدراسة والصحة والحياة الاجتماعية والأسرية لمئات الملايين منالبشر الذين يعيشون في مناطق مختلفة من العالم ويخضعون لظروف موضوعية مختلفة من حيث الثقافةوالتعليم ومستوى المعيشة! وبالتالي فإن فرص صناعة المستقبل ستكون متفاوتةً بين شخصٍ وآخر حتىولو ولدا في نفس اليوم واللحظة، أما بالنسبة للصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية والتي تزخر بالكثيرمن برامج الأبراج والتوقعات الفلكية فما هي إلا وسائل جذبٍ رخيصة تهدف بالدرجة الأولى إلى بيع الوهمواكتساب المال من وراء ذلك، ولها انعكاساتٌ خطيرة تتعدى التسلية، فبعض الناس يُحددون مسار مشاريعهمالمستقبلية وحتى علاقاتهم الأسرية وفقا لما تقول لهم الأبراج!.