مقال حول الموت
د- علي المرهج – كاتب وأكاديمي عراقي
لا شك أن فكرة الموت حاضرة في أذهان العلماء والفلاسفة وبسطاء الناس على حد سواء، وهو (أي الموت) يكاد يكون حقيقة تجريبية لا يختلف عليها إثنان، فكل كائن حي يموت، ولو خرقت بعض معجزات الأديان هذه القاعدة، لكن القاعدة أن كل أنسان يموت، وهذه مقدمة كبرى في المنطق الأرسطي
كل إنسان يموت
وسقراط إنسان
إذن سقراط سيموت
و “أنك لميت وأنهم لميتون” وهذه حقيقة دينية، بل وحقيقة فلسفية، فصارت بديهية يعتمد عليها المنطق الأرسطي بوصفها مقدمة كُبرى.
لم يستطع كلكامش تجاوز الموت بوصفه نهاية حتمية للوجود ووجود غيره من البشر، ولا خلود (بايلوجي) له ولا لأنكيدو صديقه الذي حزن عليه لمدة ستة أيام وسبعة ليالي.
في الفلسفة المثالية والفلسفة التأملية هناك رؤية للموت على أنه فصل للنفس عن الجسد، وقد يُفنى الجسد، ولكن الروح باقية ولا تختفي بفناء الجسد، وهذا مسار كل الفسفات التقليدية: اليونانية والفلسفة القروسطية: إسلامية أو مسيحية.
ولا أخوض في معنى النفس وتداخلها مع الروح في الفلسفة الإسلامية والمسيحية، وهي تلتقي مع فكرة الروح على قاعدة: “قُل الروح من أمر ربي”، رغم أن الفكر الديني يُبنى على الاعتقاد بالبعث الجسماني والروحاني، ولكن الفلاسفة المتدينين سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين، بل وحتى يهوديين يؤكدون على أن الروح تذهب لباريها، وأن هناك عالم آخر يليق بها في تلقيها والحكم على أعمالها، وكلما كانت خيّرة كان العالم الآخر بمثابة عالم سعادة لها وخير.
أغلب فلاسفة العصر الحديث يؤيدون هذه الفكرة، ويؤكدون على أن الروح التي تُقابل النفس أو العقل باقية ولا تُفنى، والفناء هو للجسد فقط.
مشكلة الموت مُعقدة، لأنها لا ترتبط بزمن وجود يُمكن لنا عدّه، وقد يُغادرنا أقرب الناس لنا على حين غرّة، لذلك فالحديث عن الموت هو من قبيل تفسير حالة حادثة تخص فرد أو جماعة ما، لأنه لا يرتبط بمرض إنسان أو شيخوخة فلان، فقد يموت شاباً لا نتوقع موته.
ما يُميز الموت كحقيقة وكفكرة أنه ليس بمستطاع شاب في مقتبل العمر أو شيخ في أواخر عمره أن يُغادره، وقد يموت الشاب وهو في مقتبل العمر، وقد يطول عمر الشيخ ليرى أولاد وأولاد أولاده.
قد يقول لك قائل أن بعض الناس يختارون مصيرهم، وقد حصل ويحصل هذا في الحياة الشرقية القديمة، لا سيما في الحضارة الهندية والصينية، ولكنه من قبيل الاستثناء لا القاعدة.
يربط (شوبنهاور) بين الموت والحُب، ليكون الحُب تجسيداً لما هو إلهي في الذات الإنسانية.
كل شيء يموت، والعود الأبدي عود للحياة وتبدل للوجود في جدلية الحياة والموت كما يعتقد (نيتشه).
لا يصح أن يكون الموت عائقاً في استمرار الحياة في الحياة المُعاشة.
لن يكون الموت مُعضلة حينما نعرف أنه نهاية حتمية لوجودنا، ولكننا نجده معضلة حينما يخترق المألوف عندنا في قبول الموت أو التماهي معه.
لا مشكلة بالموت بحد ذاته، فهو حقيقة مُعاشة، ولا مُبرر للخشية من الموت طالما كان حقيقة معروفة عندنا.
دعك من تمنياتك وتوقعاتك وتعامل مع الموت على أنه مرحلة من الحياة وما بعدها نحتكم فيها لتاريخ مولدنا ومتبنيات مجتمعنا.
الموت هو الحاضر وكأنه حقيقة وجودية.
إن تنكرت للموت أو تغافلت عنه، فثق أنه حقيقة تُحيق بك وبكل البشر، وخلودك الذي تبحث عنه بحث عنه كلكامش من قبل، فوصل إلى ما نصل وما وصلنا إليه، ألا وهو أن خلود الشخص تكمن في مقدار ما يُقدمه الشخص من خدمة لمجتمعه بايثار.